الفقر المائي في مصر -1
الفقر المائي في مصر
في ظل أزمة سد النهضة، ومع بدء إثيوبيا من ملئ السد، يسارع النظام المصري في التفكير في بدائل من شأنها تعويض الفقر المائي في مصر في حصة مصر من المياه وتأثيراتها التي ستصل لكل مواطن مصري.
يعرف الفقر المائي بأنه المستوى الذي يقل فيه نصيب الفرد عن ألف متر مكعب سنويا، وهو ما ينطبق على مصر حاليا، حيث يبلغ يبلغ حجم الموارد المائية المتاحة 55,5 مليار متر مكعب للسنة من نهر النيل، و1,3 مليار متر مكعب من هطول الأمطار الفعلي في الأجزاء الشمالية لدلتا النيل، بالإضافة إلى 2 مليار متر مكعب من المياه الجوفية غير المتجددة من الصحراء الغربية وسيناء، وهو ما يعادل إجمالا 58,8 مليار متر مكعب سنويا، في حين تبلغ احتياجات المياه للقطاعات المختلفة بمصر 79,5 مليار متر مكعب بالسنة. ما يشير إلى فجوة تقدر ب 20 مليار متر مكعب سنويا من المياه.
وفقا للهيئة العامة للاستعلامات، فإن الموارد المائية الحالية لمياه مصر تتمثل في؛ نهر النيل الذي يُعد المصدر الرئيسي للمياه بنسبة 79.3 % من الموارد المائية، ثم المياه الجوفية وتقدر كميتها المستخدمة في مصر بحوالي 6.1 مليار متر مكعب للسنه، في الوادي والدلتا، وتأتي الأمطار بكمية تقدر بنحو 1.3 مليار متر مكعب سنويا، بينما يوفر إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي
حوالي 5.7 مليار متر مكعب من إجمالي 12 مليار متر مكعب للصرف، بينما تبلغ نسبة مياه الصرف الصحي المعالج نحو1.3 مليار متر مكعب.
يمثل الاستخدام الزراعي للمياه الجزء الأكبر للاستخدامات حيث يبلغ نحو 59.3 مليار متر مكعب بنسبة 85.6 % من إجمالي الاستخدامات عا، ويقدر احتياج القطاع الصناعي من المياه بنحو 7.8 مليار متر مكعب، يُستهلك منها فعلياً نحو 1.15 مليار متر مكعب والباقي يعود إلى النيل والترع والمصارف بحالة ملوثة، أما بالنسبة لاستخدامات مياه الشرب والأغراض الصحية فتُقدر بنحو 6.5 مليار متر مكعب بنسبة 9.4 % من إجمالي الاستخدامات عام ويقدر متوسط نسبة الفاقد في مياه الشرب النقية مابين 10 ـ 36.5 % من إجمالي المياه المنتجة بالمحافظات والمدن الجديدة تفقد في الشبكات المتهالكة والمنازل والمدارس والجهات الحكومية.
حلول الحكومة للأزمة
أعلنت الحكومة المصرية أنها أعدت خطة شاملة لتخفيف مخاطر الضغوط المائية عبر خطة لاستثمار 134 مليار جنيه لإنشاء محطات تحلية مياه حتى 2050 لتوفير 6.4 مليون متر مكعب من المياه يوميا، بالإضافة إلى مشروعات ضخمة لمعالجة مياه الصرف. تشمل الخطة إنشاء 47 محطة لتحلية المياه بحلول 2025 بتكلفة تصل إلى 45 مليار جنيه كمرحلة أولى، في محافظات مطروح والبحر الأحمر وشمال سيناء وجنوب سيناء وبورسعيد والدقهلية والسويس، وتنقسم الخطة الاستراتيجية إلى 6 خطط خمسية تمتد من 2020 وحتى 2050، وستنضم المحطات الجديدة إلى 65 محطة قائمة بقدرة 800 ألف متر مكعب يوميا.
كما أعلنت الحكومة عن إنشاء محطتي المحسمة وبحر البقر لمعالجة مياه الصرف لإعادة استخدامها في الزراعة بتكلفة إجمالية تبلغ 20 مليار جنيه، واللتين ستوفران 6.6 مليون متر مكعب يوميا وهو ما يكفي لزراعة ما يقرب من 460 ألف فدان.
خطة الحكومة لم تقتصر على إنشاء محطات التحلية والمعالجة وحسب، بل شملت محاور أخرى أهمها؛ خفض كميات مياه الري لبعض المحاصيل مثل توفير 1.5 مليار متر مكعب من الميـاه سنـوياً عن طريق إحلال زراعـة البنجر محـل قصب السكر وتخفيض زراعة الأرز من 1.3 مليون فدان إلى 950 ألف فدان.
واستعرض البرلمان المصري في مارس 2020، في جلساته، توصيات قدمها للحكومة في مجال تنمية الموارد المائية، وتضمنت التوصيات تحقيق الاستفادة القصوى من مياه الأمطار والسيول وتعظيم الاستفادة من الخزان الجوفي السطحي والعميق واستخدام الطاقة الشمسية في تحلية مياه البحر، والتوسع في الاستخدام الآمن لمياه الصرف الزراعي بعد المعالجة في الأعمال الزراعية. ودعا البرلمان إلى التوقف عن النظر إلى مياه الصرف الصحي على أنها نفايات والتعامل معها كمصدر لري المحاصيل إذا أديرت بشكل صحيح وآمن، إلى جانب حماية الموارد المائية من التلوث بإلزام المنشآت الصناعية والسياحية بمعالجة مخلفاتها.
بينما شددت دراسة حديثة على ضرورة اتجاه مصر إلى استخدام المياه الجوفية وتحلية مياه البحر لتلبية احتياجات “القطاع المنزلي” من المياه، والذي يستهلك أكثر من 16% من إجمالي الموارد المائية المتجددة في مصر.
وأشارت الدراسة، التي أعدها أسامة سلام،الأستاذ المساعد بالمركز القومي للبحوث بمصر، ومدير مشروعات المياه بهيئة البيئة، أبو ظبي؛ إلى أن “مصر بحاجة إلى إعادة تقييم دور المياه الجوفية وتحلية مياه البحر؛ لإعادة تخصيصهما كمصادر للمياه العذبة، لمواجهة نقص المياه المتوقع في المستقبل القريب، بسبب النمو السكاني بنسبة تقدر بـ2.05% سنويًّا، وارتفاع معدل الاستهلاك السنوي للفرد الواحد من المياه المنزلية لحوالي 102 متر مكعب، والآثار السلبية المتوقعة بعد تشغيل سد النهضة الإثيوبي”.
وخلصت الدراسة، التي نشرتها دورية “أمريكان جورنال أوف إنجنيرينج ريسرش” إلى أنه من الضروري “أن يتم التخطيط لزيادة موارد المياه المنزلية من 9.2 مليارات متر مكعب في عام 2016 إلى حوالي 15 مليار متر مكعب من المياه بحلول عام 2040، وأن يتم ذلك من خلال الاعتماد على مصادر أخرى غير مياه النيل، ما يتطلب ضخ استثمارات تستهدف تحلية مياه البحر في المحافظات الساحلية، وﻣﻌﺎﻟﺠﺔ المياه الجوفية شبه المالحة وتحليتها في المحافظات غير الساحلية”.
تشير الدراسة إلى أن المياه الجوفية في مصر توجد في خمسة أحواض مائية رئيسية، وهي “حوض نهر النيل”، الذي يقع تحت وادي النيل والدلتا، وهو خزان جوفي متجدد تجري تغذيته أساسًا من مياه النيل عن طريق الترع والقنوات المائية، وبالرغم من جودة مياهه، فقد بات عُرضةً للتلوث بسبب عدم توافر منظومة بيئية للتخلص من النفايات الصلبة والسائلة للسكان والمصانع في معظم محافظات الدلتا والصعيد.
عقوبات على المواطنين
في أغسطس الماضي قالت مصادر بالبرلمان المصري أن تعديل قانون تنظيم مياه الشرب والصرف الصحي، أوشك على الانتهاء، لوقف الكثير من المهازل التي يشهدها الشارع المصري يومياً، ويتضمّن مشروع القانون، وضع عقوبات على الممارسات الخاطئة للمياه، مثل رش الشوارع والحدائق والاستخدام في غير أغراضها، بجانب التعدي على الشبكات والخطوط من سرقات وتوصيلات، كما يمنح القانون الجديد موظفي الجهاز التنظيمي للمياه صفة الضبطية القضائية، وفي نفس الوقت يعاقب من يتورط منهم في توصيل المياه للأفراد أو الجهات دون سند قانوني بالحبس لمدة لا تزيد عن 6 أشهر، وغرامة لا تتجاوز 50 ألف جنيه.
جدير بالذكر أن وزارة الموارد المائية والري قدرت فواقد الميـاه بحوالي 35 % من إجمالي الميـاه المنصرفة من السد العالي أي حوالي 19.4 مليار متر مكعب، لكن خبراء أكدوا أن هذا الفقد نسبته الأكبر ناتجة عن التسرب والتبخر، على سبيل المثال فإن تبخر المياه السطحية في بحيرة ناصر يتجاوز الكمية المعلنة، فيما يمثل الفقد في قنوات الري بنحو 2.3 مليار متر مكعب سنوياً.
تتوقع الأمم المتحدة أن تعاني مصر من شح المياه بحلول عام 2025. وبافتراض استمرار نمو السكان ومراعاة مشاريع استصلاح الأراضي في الصحراء وحقيقة أن أكثر من 50% من الحبوب المستهلكة مستوردة بالفعل، فلا يمكن لمصر تلبية الطلب على الغذاء من خلال الاعتماد على مياه النيل للري فقط.