مقالات وآراء

نقاشات التحفيز الأولية حول مشروع تقييم الإخوان

تحفيز الحوار حول تقييم الحركات الاجتماعية والسياسية وفاعليتها في مصر الإخوان نموذجا

نقاشات التحفيز الأولية حول مشروع تقييم الإخوان

انطلقت المناقشات الأولية المغلقة لأوراق مشروع “تحفيز الحوار حول تقييم الحركات الاجتماعية والسياسية وفاعليتها في مصر – الإخوان نموذجا-“ الذي قدمناه في مجموعات التحفيز.

ناقشت الورشة المغلقة الأولى الأفكار التي طرحتها ورقة “العلاقة بين الواقع والخيارات الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين” للباحث عمرو عبد المجيد، وجوهر ما تقدمه الورقة هو أهمية النظر في التقييم والنقد الموضوعي؛ لكيف تتفاعل الأفكار والقيم بشكل عملي وواقعي -في شكل حركة ومشاريع- مع السياقات الكبرى؟ وكيف يمكن النظر لنتائج تفاعل هذه المشاريع مع السياقات الكبرى؟

تؤكد الورقة على صعوبة تقييم الأفكار المجردة في الأذهان، لكن يمكن تقييم ما تتجسد الأفكار والقيم في شكل حركي ومشارع نضالية، هذه المشاريع الكبرى تستهدف الحركة أن تعبر بها عن نفسها، وأن تقتحم السياق المحيط بها؛ لتغيّره للأفضل، وعندما تمتلك الحركة طاقة تأسيس كبيرة، ثم طاقة حركة واسعة، ثم طاقة انضمام لخزّان بشري كبير، ينبغي التفريق بين القيمة المعنوية التي قدمتها الحركة للأفراد والمجتمع، والقيمة الفاعلة التي قدمتها الحركة بمجموع أفرادها ولجناها وأجهزتها ومشاريعها للتأثير في السياقات التاريخية.

أشار الباحث إلى تأثر السياق التأسيسي للجماعة بالخيال الملكي وعلاقته بخيال الفرد الملهم الذي يمكنه أن يحشد طاقات بلاده وأمته ويقودها للخير، كما أشار إلى سياق عالمي تطورت فيه عملية التنظيم الاجتماعي والسياسي.

وتتسم أي حركة في زمن محدد بسمات محددة وكذلك السياق، فالحركة في تأسيسها على يد مؤسسها حسن البنا اتسمت باعتماد كبير على مؤسسها صاحب التوجيه الفكري والروحي والحركي، واتسم السياق المحيط بضعف عام للمصرين والأمة العربية والإسلامية والخضوع تحت الاحتلال، وسعت الحركة ومؤسسها لبيان الحل من خلال استدعاء الإسلام النقي المثالي الجاهز للتطبيق والنجاح؛ لمواجهة الضعف والاحتلال ومؤامرته على الإسلام، كان ذلك شكلا من أشكال التفاعل الذي يُشخّص الداء ويصف الدواء، ثم ينطلق في مشاريع حركية ونضالية كبرى للتغيير في السياق.

 

تنتهي هذه الحركة والفاعلية بنتائج معينة، قد يكون السياق أكثر قوة وسطوة، وقد نصف الأفكار أنها لم تكن كافية لمواجهة السياق، أو ربما لم تجب على أسئلة أخرى كان يجب الإجابة عنها.

يتغير السياق فيخرج المحتل وتتغير سياساته ويحكم وطنيون -لا يعلنون انتمائهم للفكرة الإسلامية الإخوانية أو لا يطبقون الفكرة الإسلامية كما بشّر بها البنّا-، ويصبح أصحاب الفكرة الإخوانية تحت سطوة القمع والمواجهة والاستهداف. تتغير فلسفة المواجهة في السياق الجديد من محتل إلى وطني، ومن دولة إسلامية إلى دولة لمسلمين (لكنها لا تطبق الشريعة)، وتضطر للتخلي عن الفكرة المسلحة التي جلبت ضغوطا كبيرة عليها، وتحاول تمتين التنظيم المدني الشعبي؛ ليكون مستعدا للصمود أمام الضغوط الأمنية، وبالتالي تتكيف مع السياق الجديد الذي لم تُشكّله ولم تكن من رواد تغييره كما أرادت، ويبقى معها الخيال الملهم لفكرتها وأعضائها أن معنا نظاما شاملا جاهزا للتطبيق، وأنه يمكن الآن أن يحلّ كل مشاكلنا.

هنا تشير الورقة إلى البقاء في فضاء واسع من التعميم دون شجاعة الإقدام على تقديم تقييم عميق لما حدث، وكيف حدث؟ وما الذي تعلمناه من تفاعل أفكارنا مع الواقع؟

 

قد تشير الإجابات والنقاشات الجادة -لو فتحت- إلى عدم جاهزية التصورات الفكرية للتطبيق، أو إلى حاجتها لمزيد من التمحيص أو التدقيق أو التعميق، كما قد تشير إلى ضرورة إعادة النظر في تاريخ هذه المرجعية الإسلامية عبر التاريخ، فقد كان الواقع يُحسم غالبا من خلال الصراعات السياسية والنزاعات والقوة المسلحة، ولم يشهد النموذج المثالي للخلافة الراشدة والشورى بروزا إلا في فترات قصيرة جدا خلال تاريخ طويل، كما أنها قد تُحفز تفكير المتمسك بجاهزية المرجعية الإسلامية بسؤال ما الذي سيجعلنا نحن نحقق ذلك ونكون أفضل من جدودنا الذين لم يُنجزوا هذا الشكل المثالي زمنا طويلا أو يحافظوا عليه أو يستعيدونه؟

هذه الأسئلة التحفيزية التي تثيرها الورقة من خلال تقييم التفاعل مع السياقات الكبرى، ليست أسئلة غمز أو لمز، بل هي واجب إعمال العقل والتدبر والتفكير في سنن ما نمر به وما عاشه الأولون.

فَتحت النقاشات والحوارات بين باحثين وأكاديميين وصحفيين وناشطين ومهتمين آفاقا عدة، سأحاول بيان أهم ما ورد فيها، وما سجلناه من ملاحظات سواء تعلقت بالانتقادات أو المدح والثناء:

 

عن الانتقادات:

  • نبه بعض الحضور على أن الورقة بحاجة إلى ضبط أكثر إحكاما للمنهج، كما نبه البعض على بعض العبارات والتوصيفات والإحالات التي تحتاج مزيدا من الدقة في الوصف أو التحليل، أو التخلي عن أي انحياز مسبق.
  • لم يقبل بعض الحضور بعض تحليلات الورقة التي ركزت على تعثر المشاريع الكبرى للحركة، وضرورة الإشارة إلى بعض النجاحات والإنجازات.
  • أبدى بعض المشاركين خوفه من أن يكون النقد هدفه التصيّد، واستنطاق الألفاظ بما لا تحتمل، وليّها لقول غير الحقيقة، كما تخوّف البعض من أن يكون هناك تأثر غربي من مرجعيات غير إسلامية.

 

عن الملاحظات الإيجابية أو الثناء:

  • قدم بعض الباحثين المتخصصين نقدا موضوعيا حول أهمية ما قدمته الورقة من زاوية نقدية وتحليلية وأشاروا لضرورة تمتين هذا النقد بطريقة علمية.
  • كما قدمت أساتذة متخصصة في العلوم السياسية رسالة شكر مكتوبة على هذا الاتجاه الناقد والذي وصفته بالطرح النقدي الجاد، والذي يمثل مقدمات تأسيسية مهمة.
  • أكد أكثر من مشارك -إما في رسالة مكتوبة أو صوتية- على أهمية هذه المداخل العلمية وطريقة التقييم، وضرورة تطوير نماذج تحليل متعددة في هذا الإطار.

 

ما الذي خلصنا به من هذه النقاشات بشكل أولي؟

أولا: أن هدف التحفيز الموضوعي -حول أفكار ومواقف نقدية تجتهد في الموضوعية والعلمية- صار أكثر أهمية وإلحاحا لنا من أي وقت مضى، وأن المشاريع التي تخلق جسرا للتحاور بين الباحثين والخبراء والمهتمين والناشطين بحاجة لأن تستمر وتزيد وتتطور.

ثانيا: أن هناك مشكلة في التحيزات والافتراضات السابقة، صحيح أننا قد لا نتخلص من ذلك تماما، ولكن يجب أن نجعله في أدنى مستوى ممكن؛ لنتمكن من النقاش الموضوعي، ولا ينصرف الرأي والتعليق، أو الكتابة والبحث إلى ما يثير الحفيظة؛ بل إلى ما يحفز التفكير والفعل الإيجابي.

 

ثالثا: لا يزال هناك من يخاف من حرية النقد، وما قد يلحق بهذه الحرية من تعبيرات وتوصيفات وتحليلات، وتثير هذه الحرية في التعبير مخاوف أو هواجس تستدعي أن يُركّز البعض على التصويب والتصحيح والتخطئة وضرورة مراعاة اعتبارات ومعايير معينة، بدل أن نركز على ما يمكن الاستفادة به وما يفتح لنا أفقا جديدا، فحرية التعبير ضمانة لتطوير الجيد، وكثرة التخطئة هي رسالة سلبية تريد أن تجعل النقد يخضع لمعيار محدد يحدده السامع وليس الباحث ورسالته وكلمته.

 

رابعا: عند المناقشات التفصيلية للموضوعات أحيانا تضيع الفكرة الكلية لتحفيز النقاش الإيجابي العام، وقد أقترح أستاذ كريم للعلوم السياسية أن تكون هناك ورشة جامعة بعد نهاية المناقشات لكل الأوراق نركز فيها على الأفكار التحفيزية الأساسية للمشروع.

كانت بداية النقاشات الأولية متميزة وشجعتنا نحو مزيد من البحث والحوار والتحفيز، ونأمل في النقاشات والحوارات القادمة أن تزيد الخلاصات والفوائد والإفادات، وسننشر الأوراق القادمة تباعا خلال الأسابيع القادمة وهي بالترتيب “الصعود إلى الهوية.. لماذا فشل الإخوان المسلمون في إدارة التغيير السياسي في مصر؟”، و“النفوذ الغائب.. كيف تدير جماعة الإخوان علاقاتها الخارجية؟”، و “الحوكمة في جماعة الإخوان المسلمين في مصر”.

 

العلاقة بين الواقع والخيارات الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين

الصعود إلى الهاوية لماذا فشل الإخوان المسلمين في إدارة التغيير السياسي في مصر؟

النفوذ الغائب: كيف تدير جماعة الإخوان المسلمين علاقتها الخارجية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى