تحليلات وأبحاثسياسات

الراغبين في التغيير ومسار العلاقات المصرية التركية

مستقبل العلاقات المصرية التركية

الراغبون في التغيير ومسار العلاقات المصرية التركية

pdf لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقدمة

حملت الأيام الماضية مجموعة متسارعة من التطورات في ملف العلاقات المصرية التركية، وكان أبرزها طلب تركيا من قنوات المعارضة المصرية تخفيض نبرة الانتقاد تجاه النظام المصري، وولّد الاهتمام بهذا الطلب قلقا وتوترا من جانب بعض المعارضين بالخارج، وحاجةً لفهم طبيعة العلاقات المصرية التركية -المرجو منها والممكن- من جانب آخر، لذا أصبح السؤال عن رؤية المصريين -الراغبين في التغيير في مصر والمؤمنين بالديمقراطية- تجاه مسار العلاقات المصرية التركية ملحًا، وهل ثمة تعارض بين ما يرجونه ومسار التقارب المصري التركي؟

تحاول هذه الورقة أن تقدم قراءة مختصرة في مسار العلاقات المصرية التركية، وكيف يمكن أن تكون رؤية المصريين المؤمنين بالديمقراطية تجاه مسار العلاقات المصرية التركية؟ وتسلط الضوء على العناصر المهمة المطلوبة لفاعلية سياسية لا تقتصر على التعبير الاحتجاجي ولكن تشمل تعظيم القدرات الذاتية والقيمة السياسية، في الغايات والأهداف والخطاب والاتصال السياسي ومسار الحركة والتفاعل السياسي.

 

الراغبين في التغيير ومسار العلاقات المصرية التركية

تهدئة تكتيكية وصعوبات استراتيجية

المتغيرات الدولية والإقليمية التي شهدتها الشهور الماضية، كانت كافيةً للانعكاس بشكل مباشر على سياسة العديد من دول الشرق الأوسط وتغيير خرائط العلاقات والنزاعات في المنطقة، ومن تلك المتغيرات الرئيسية كانت مغادرة ترامب للبيت الأبيض، والذي قدم دعمًا غير مسبوق لعدد من الأنظمة القوية في المنطقة، ووصول إدارة أمريكية جديدة تحت قيادة بايدن تسير في اتجاه معاكس للسياسة التي اتبعها ترامب في منطقة الشرق الأوسط،

ودفع هذا المتغير في المشهد الدولي القوى الإقليمية والفواعل الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط إلى إعادة حساباتها الخارجية، والتوجه نحو سياسةٍ خارجيةٍ مختلفة عن سياستها التقليدية؛ بهدفِ تجاوز تحديات السياسة الأمريكية الجديدة، وتقليل الخسائر والحفاظ على المصالح قدر الإمكان.

يمكن وضع الخطوط العريضة للإدارة الأمريكية الجديدة مع الشرق الأوسط تحت عنوانيين رئيسيين: إعادة إيران للمشهد الدولي من خلال إحياء الاتفاق النووي، ومركزية حقوق الانسان والحريات في السياسة الخارجية الأمريكية مع دول المنطقة، دون الخروج عن إطار المصالح الأمريكية الحيوية في المنطقة أو العلاقات القوية والاستراتيجية التي تربط أمريكا مع دول المنطقة.

 كان أول تأثير -يتعلق بالإدارة الأمريكية الجديدة- هو السعي السعودي لفك الحصار عن قطر ودفع باقي دول الحصار لإعادة العلاقات مع قطر؛ بهدف تشكيل تحالف خليجي متماسك، يتوافق مع السياسة التي يجب اتباعها لمواجهة سياسة بايدن مع إيران، بالإضافة إلى رغبة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في إعادة رسم صورته المشوهة أمام الإدارة الأمريكية الجديدة، هذا السعي خلق أجواءً مهّدت الطريق أمام تغيرات إيجابية في العلاقات بين مصر وقطر من جانب، وربما بين مصر وتركيا من جانب آخر.

فرضت السياسة الأمريكية الجديدة -المرتكزة على الاهتمام بحقوق الإنسان والحريات- تحديات مشتركة لكلٍ من مصر وتركيا، خاصة مع توقعات بفتور في العلاقات بين أمريكا وعدد من دول المنطقة، وسعت كل دولة لاتخاذ خطوات في سياستها الخارجية تختلف عن نهجها السابق.

سعت مصر إلى دبلوماسية مختلفة في أكثر من اتجاه، بدايةً من توجيه البوصلة نحو أوروبا، وبناء علاقات أقوى مع فرنسا وألمانيا؛ بهدف إيجاد داعمين دوليين تعويضًا لخسارة ترامب، وانتهاءً بتموضع مصر كوسيطٍ فعالٍ في مسار المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لتبدو مصر ساعيةً للتهدئة في عدة ملفات إقليمية، ومصدرا للاستقرار في المنطقة؛ من أجل تقليل أي ضغوط محتملة من الإدارة الأمريكية تتعلق بملف حقوق الإنسان.

على الجانب الآخر، سعت تركيا إلى دبلوماسية جديدة في مواجهة الفتور المتوقع في العلاقات الأمريكية، حيث توجهت إلى تقوية العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وتهدئة الأزمات المشتركة مع محيطها الإقليمي، وأعطت إشارات مرحبة بالعلاقات الخليجية والمصرية.

شكَّل التحدي المشترك لمصر وتركيا في مواجهة الإدارة الأمريكية الجديدة، مع المصالح المشتركة في ملفي ليبيا وشرق المتوسط، دافعًا قويًا لمسار التقارب وتهدئة المخاوف والتنسيق والتعاون في الملفات المشتركة، وبالرغم من حاجة الدولتين الاستراتيجية للتقارب وبناء علاقات متوازنةبحكم النفوذ الجيوسياسي لكل دولة وبحكم المعطيات التاريخية والثقافية والدينية المشتركة بين الجانبين، لكن هناك صعوبات استراتيجية أيضًا تعوق مسار التقارب،  

فهناك اختلافات في التوجهات الرئيسية للسياسة الخارجية، والتحالفات الإقليمية، وبعض الأولويات الاستراتيجية في التعامل مع الأزمات الإقليمية، إضافة لاختلافات وهواجس في نظرة كل دولة للأخرى، والخلفيات السياسية المرتبطة برئيس كل دولة، حيث في تركيا هاجس من التدخلات العسكرية في الحكم، وفي مصر هاجس التعاطف مع المعارضة عموما أو جماعة الإخوان المسلمين خصوصا، والتصريحات التي رفضت ما حدث في الثالث من يوليو ٢٠١٣.

هذه التطورات تدفعنا إلى سؤال رئيس: كيف يمكن أن يتعامل الراغبون في التغيير في مصر -من أفراد ومؤسسات وقوى سياسية- مع هذه المتغيرات لتحقيق مكاسب جزئية؟

وتتلخص الإجابة في عنوانين: الأول يرتبط بعوامل الفاعلية السياسية التي يجب أن يسعى لها الراغبون في التغيير، والآخر يتعلق بتفاعل الراغبين في التغيير مع مسار العلاقات المصرية التركية الحالي.

 

الراغبين في التغيير ومسار العلاقات المصرية التركية

السعي نحو الفاعلية السياسية

بعد سنوات من وصول السيسي للحكم وموت الرئيس مرسي داخل معتقله، وغلق المجال العام داخل مصر، وتصاعد القمع والاعتقالات والتعذيب والقتل، واستمرار النظام في مطاردة وملاحقة المعارضين بالداخل والخارج، تزداد حاجة الراغبين في التغيير لتطوير فاعليتهم وتأثيرهم السياسي، فالتعويل على الزمن والشعارات واللافتات والنداءات السياسية الغاضبة والرافضة للواقع الحالي ليس كافيًا لتطوير الفاعلية السياسية.

المعادلات الدولية تتغير، وكذلك السياسات الإقليمية تتغير، وأعداء الأمس قد يتقاربون اليوم، وربما يعودون أعداء مرة أخرى، هناك رؤى تتغير حول طبيعة العلاقات والسياسات والتحالفات، ويجب أن تكون المعارضة المصرية قادرة على التفاعل مع هذه المتغيرات، بابتكار رؤى ومشاريع -مرحلية أو استراتيجية- ومسارات جديدة للحركة بالخارج، وخطاب يحاول الاستفادة من هذه المتغيرات ويسعى لخلق اختراق وتفاعل جديد مع الداخل المصري أو في المحيط الإقليمي والدولي.

يمكن الإشارة لأهم العوامل التي يمكن أن يستمد منها المعارضون بالخارج فاعليتهم في: جسور جديدة مع المصريين بالداخل، وتأثير جديد في ملف الانتهاكات وحقوق الإنسان، واتساع التواصل الفعال بين شريحة واسعة ومتنوعة من المصريين بالخارج، وتطوير الموارد البشرية، وتطوير الشكل أو الأشكال المؤسسية.

بخصوص ما يتعلق بالمصريين داخل مصر، هناك حاجة ماسة لخلق جسور اتصال إعلامي خارج إطار التعبئة السياسية مرتفعة التكلفة، هناك حاجة ماسة لأن يفهم المواطن العادي -بعيدا عن فشل النظام أو رفض النظام- أن المعارضين يهتمون بهمومه ومشاكله اليومية، وأن جوهر المعارضة والاختلاف الحقيقي مع النظام يتعلق بالنظرة للناس وحقوقها وما يستحقونها، نعم تهتم قنوات المعارضة بهموم الناس لكنه اهتمام مغلف بحالة التعبئة والغضب والاحتجاج والصوت العالي،

هناك حاجة ماسة لتألق إعلامي جديد شكلا ومحتوى في التماس والتقارب أكثر مع المواطن المصري المنهك، فصعوبة الحياة داخل مصر ليس فرصة للاحتجاج فقط، ولكنه فرصة للتواصل مع المنهكين الذين يتمنون حياة أفضل حتى لو كانوا غير واثقين في القوى والتحركات السياسية التقليدية، وابتكار أعمال تضامنية بالخارج بعيدة عن الإطار التقليدي للاحتجاج والتعبئة والصوت العالي ربما يفتح آفاقا جديدة لمواطنين كثر ينتظرون من يهتم بهم وبتفاصيل حياتهم ومشاكلهم اليومية، ولا شك أن هذا الأمر يتعلق بالتخطيط السياسي والإعلامي، وطبيعة المنافذ والقوالب الإعلامية والمحتوى والرموز المناسبين لهذه المهمة.

أما بخصوص الانتهاكات المتعلقة بالتعذيب والمعتقلين والإعدامات، فيجب أن يكون صوت الاحتجاج فيها عال وغاضب لكن يجب أن يكون مؤثرا خارج مصر، وهو ما يفرض عبئا على التخطيط السياسي للفاعلية في هذا الملف، فكيف يمكن التأثير بهذا الملف في دول ديمقراطية تمد النظام المصري بالسلاح المستخدم في التعذيب ومحاولة استصدار أحكام أو قرارات مؤثرة داخل هذه الدولة من أجل تقويض الدعم الموجه للقمع والقتل والتعذيب، كما أن هذه الرؤية تفتح -داخل البلدان الديمقراطية المستهدفة- آفاقا للتعاون والتقارب وربما التحالف مع مؤسسات وجهات وحركات وكيانات محلية تقوي الفاعلية المطلوبة وتساهم في التأثير المرجو.

أما عن الروح العامة بين عموم المصريين بالخارج الراغبين في التغيير في مختلف البلدان، فهناك حاجة إلى ابتكار مسارات للتواصل والتضامن على الأقل في القضايا التي يسهل الاتفاق عليها -مثل دعم احتياجات المواطنين ورفض الانتهاكات وبعض السياسات المرتبطة بالناس أو بعض التحديات الكبرى التي تواجهها البلاد- هدف هذه الحملات هو تقوية الفاعلية السياسية لمجموع المصريين بالخارج، فكلما زادت المجموعات المنفصلة كلما قلت الفاعلية المرجوة،

وكلما زاد تعاون بين الأفراد والمجموعات والكيانات بالخارج كلما زادت فاعلية الجميع، من هناك يجب التفكير في صناعة محطات مهمة لتقوية هذا التواصل وهذه الروح التي تجتمع وتتعاون من أجل قضايا كبرى لا خلاف عليها، محطات قد تتعلق بقضايا أشرنا لها سابقا، أو قد تتعلق بمواقف أو ملفات أو استحقاقات منتظرة مثل الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية أو النقابية -وربما المحلية إن تم إقرارها-، على أن يكون الهدف من هذه الحملات بجانب تقوية روح التواصل والتعاون بين المصريين بالخارج وتعظيم الوزن السياسي الجماعي، العمل على تقوية عوامل وعناصر للقوة داخل بعض الدول الديمقراطية المهمة التي تقدم دعما للقمع وسياسات القمع، أو التي يمكن أن تقدم دعما للديمقراطية وحقوق الإنسان،

ومن هذه العوامل العلاقات المتعلقة بكيانات ومؤسسات وحركات أهلية ومنظمات المجتمع المدني، بجانب الرموز والقوى السياسية وبعض المسئولين الرسميين المنتخبين وغير المنتخبين، مع أهمية المؤسسات الإعلامية والقانونية وكذلك الجهات الداعمة للديمقراطية وحقوق الإنسان، فتقييم الحملات لا يتوقف على تقييم المحتوى الاحتجاجي للرسالة ولكن يتوقف على تقييم ما عوامل التأثير والقوة الجديدة التي اكتسبناها من هذه الحملات بين المصريين وفي الدول التي نتحرك بداخلها، وما الجديد الذي أحدث أثرا على المصريين بالداخل أو على النظام القمعي داخل مصر؟

تطوير الموارد البشرية، حيث أن عناصر قوة أي عمل مؤسسي ترتكز على قوة أفراده وقدراتهم وفاعليتهم معا، وليس في عناوين اللافتات التي يعمل تحتها الأفراد، لذا يجب أن تكون أولوية المؤسسات المعارضة بالخارج للإنسان المؤمن بالتغيير، وكلما ساهمنا في تطوير قدراتنا ومهاراتنا كلما كان العائد على التفكير والتخطيط والاتصال والحركة والإعلام وغير ذلك أكبر وأعظم،

إن أكثر ما يجب أن يتميز به المعارضون السياسيون هو نظرتهم للإنسان، سواء كان إنسانا غير مسيس، أو موظفا أو عاملا أو طبيبا أو مهندسا إلخ، فالقمع والاستبداد يعظم النظام والدولة وهيبة الشرطة ويزيد حاجز الخوف من الحرية والعلم وتطوير قدرات ومهارات الناس ومستوى معيشتهم، أما المعارضون فيجب أن يكون أول اختيار لهم هو اهتمامهم بالإنسان وقدرته وحاجاته، فسلوكهم العملي مع الإنسان المعارض العامل أو المتعاون أو الذي لا علاقة له مع حركة المعارضين هو أهم دعاية للتغيير والديمقراطية،

وهي الصورة التي يجب أن يتمناها كل المصريين، فبجانب أن هذا الأمر واجب أخلاقي لكنه أيضا واجب ونهج سياسي ضروري، وقد تضعف صورة المعارضين وفاعليتهم السياسية بين المصريين بالخارج على سبيل المثال وبعض المصريين بالداخل بسبب سلوكهم وموقفهم من الإنسان الذي قد يكون مناقضا للشعارات والأمنيات والأهداف السياسية.

العمل المؤسسي المنظم والذي لايقتصر على دولة واحدة بل يمتد لعدة دول أخرى، كل ما سبق وغيره يحتاج تطورا في العقول التنظيمية وطبيعة العمل المؤسسي، أولا ليعكس الإيمان بالديمقراطية ورؤية التغيير، وثانيا ليكون قادرا على التخطيط الواقعي، وثالثا ليستطيع تحقيق إنجازات متراكمة يبني بعضها فوق بعض، ولا يكون بعضها منفصلا عن غيره وعن الذي بعده. 

كل ذلك وغيره يحتاج عقولا مبدعة في التخطيط والإدارة والاتصال والتنسيق والإنجاز، ويحتاج مؤسسات وأسلوبا متطورا في الإدارة، أكثر مرونة وأكثر فاعلية، ولن تُستمد الفاعلية من انتماءات سابقة وإنما من خلال إنجازات حالية، هذه الفاعلية المرجوة تتحقق مع التخطيط الجيد المتناغم بين الأهداف الممكنة والأشكال المؤسسية الفعالة والاتصال المناسب والإنجازات التي ستتم عمليا كل يوم في الساحة الإقليمية والدولية وبين المصريين بالداخل والخارج، ومدى التطابق والاقتناع بين الرموز التي تمثل هذه الحالة في مختلف البلاد التي يتواجد فيها مصريون مؤمنون بالديمقراطية.

 

الراغبين في التغيير ومسار العلاقات المصرية التركية

نظرة إيجابية للتقارب

يمكن أن ينظر الراغبون في التغيير -من أفراد ومؤسسات وقوى سياسية- إلى مسار التقارب أو تهدئة العلاقات الحالية بين مصر وتركيا من عدة زوايا، أولا المصلحة التي تعود علي مصر والمصريين من التعاون مع دولة قوية ومؤثرة إقليميا ودوليا، ثانيا من زاوية أن التقارب الذي يتم -وفق ضرورات مرحلية- مع نظام تركي احتضن المعارضة، ربما يكون أفضل من حدوثه مع نظام آخر، وكلما حققت المعارضة نجاحات وتأثيرات أكثر ثباتا تتعلق بالقضية المصرية في ظل هذا النظام، كلما كان هذا أفضل للمعارضة والمؤمنين بالديمقراطية، ثالثا أن هذا التقارب أمامه عوائق استراتيجية تجعل طريقه غير ممهد، رابعا من زاوية إعادة دول الإقليم التفكير في بعض العلاقات والملفات؛ لتتناغم مع المتغيرات والإدارة الأمريكية الجديدة.

تحمل هذه الزوايا نظرة إيجابية لو استطاع المعارضون المصريون بالخارج تجديد حيوتهم وتعظيم صورتهم الإيجابية بين المصريين بالخارج والداخل، وتعظيم فاعليتهم وحركتهم في عدة دول، مع خطاب ورموز ومؤسسات قادرة على التعاون والتنسيق والاتصال والتركيز على قضايا كلية خاصة الانتهاكات الشديدة والملاحقات وملف الحريات، فلو استطاعت المعارضة تجديد هذه الحيوية في الشكل والمضمون والخطاب والحركة والرموز والاتصال

فسوف يؤدي لإعادة تقدير الدول الصديقة وكذلك النظام المصري لقوتهم وفاعليتهم، وفي ظل المتغيرات الحالية والإدارة الأمريكية الجديدة قد يدفع هذا الأمر بجانب التقاربات الثنائية بين دول الإقليم لزيادة أهمية إدراك ملف المعارضة المصرية ليس من باب التنسيق والتضييق الأمني ولكن من أجل التفاهم حول بعض المطالب الأساسية التي يمكن أن تكون بوابة لتفاهمات أكبر.

لقد قامت الحكومة التركية باحتضان المعارضة المصرية إنسانيا، وكانت رافضة للتدخل العسكري المصري في السياسةـ، ورافضة لإحباط مسار الانتقال إلى الديمقراطية، وبجانب هذا هناك مصلحة عليا للتقارب بين الدولة التركية والدولة المصرية، وهناك ضرورات مرحلية للتقارب السياسي بين النظام المصري والنظام التركي -في بعض الملفات الإقليمية-، لكن هذا الإدراك والوعي لا يكفي لإحداث فاعلية تلقائية للمعارضة المصرية،

ولا يكفي ليحدِثَ تأثيرا ملموسا سواء في الملفات السياسية أو الحقوقية الإنسانية، فتعظيم صورة المعارضين السياسيين -أو ما يمكن أن نسميه وزنهم السياسي- سيستمد من فاعلية اتصالهم بالمصريين بالخارج، ومن فاعلية أهدافهم وخطابهم الذي يمكن أن يكون له دور مرحلي، ومن صورة كياناتهم من الداخل والمنتمين لها، ومن فاعليتهم في دول ديمقراطية أخرى، ومن فاعلية خطابهم السياسي -غير المكرر-، ومن تنويع دوائر الاتصال السياسي، وتجديد الرموز السياسية والإعلامية، ليتناغم كل ذلك مع الديمقراطية ومع حقوق الإنسان ومع رؤية أكثر تسامحا واتساعا لمصريين متنوعين حول العالم.

يجب أن يكون هدف المعارضين المصريين الآن هو تقوية وزنهم السياسي وتعظيم قدراتهم الذاتية، ولن يكون هذا بانكفاء أشخاص أو مجموعات أو مؤسسات للتفكير في حركتها وفاعليتها، بل هناك حاجة تمتد لعقد حوارات ولقاءات موسَّعة تجمع عقولا ومجموعات عملا وكيانات وبعض من يمتلكون الموارد، هدفها تكامل التفكير بين عقول وتخطيط وإدارة وحركة يمكنها أن تحدث فاعلية قابلة للتطور، هذه الفاعلية الذاتية هي التي يمكن أن تؤدي لإعادة تفاعل الفاعلين الإقليميين والدوليين معهم أثناء التغييرات التي يتخذونها في سياساتهم،

فتعظيم وزن المعارضة وفاعليتها أمام النظام المصري والفاعل التركي خاصة فيما يتعلق باتساع دائرة التعاون الفعال بين المصريين في الملفات الإنسانية والمرتبطة بالديمقراطية، هذه الفاعلية تعيد النظر لأهمية الملف السياسي، ولا يكون ملف المعارضة مرتبطا بالتنسيق الأمني ومحاولة النظام المصري توسيع دائرة الاستهداف والقمع في الخارج، كما أن النظام المصري يحتاج أن يتأكد أن عنصر الوقت في صالح تطور المعارضة وليس في صالح ضعفها وتشرذمها.

حان وقت تطوير وتجديد الفاعلية، والطريق لها يبدأ من حوارات جادة وعاجلة بين عقول ومؤسسات ومجموعات عمل، لتعظيم الموارد الشحيحة بما يعود أثره على الجميع، ونقطة الارتكاز تبدأ من طريقة التفكير والتخطيط السياسي الاستراتيجي، وطريقة تأسيس البرنامج المرحلي والخطاب المناسب، وكيفية تعظيم الموارد الشحيحة المتاحة وتحقيق أفضل نجاح وفاعلية ممكنة من الموارد البشرية وغير البشرية.

 

pdf لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

صنع السياسة الخارجية المصرية بين الثابت والمتغير

رفض سياسات صندوق النقد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى