تحليلات وأبحاثسياسات

حالة الإصلاح التجاري في مصر

حالة الإصلاح التجاري في مصر

مقدمة

تظل السياسات التجارية الحمائية هي المتبعة في حالة الإصلاح التجاري في مصر، رغم تحقيق نجاح ضئيل فيما يتعلق بسياسات التحرير التي كان أبرزها تقليل التعريفة الجمركية، وتقليل العوائق غير الجمركية. إلا أن سياسات التحرير عانت من التشتت وعدم الاتساق وانخفاض الشفافية، ويرجع السبب في ذلك إلى ضعف مؤسسي، بالإضافة إلى عدم التعامل مع ملف الإصلاح التجاري بكونه جزءًا لا يتجزأ من إصلاح المنظومة الاقتصادية كلها، الأمر الذي يتطلب مراجعة لتوجهات الدولة الاقتصادية، وأهمية إيجاد أدوات تجارية مناسبة لذلك الإصلاح، ورفع كفاءة المؤسسات المنفذة لتلك الأدوات.

تسعى هذه الدراسة الى توضيح الفارق بين السياسات التجارية الحمائية والتحررية والاستراتيجيات المتبعة للتحول من الإحلال إلى التصدير ثم تقوم الدراسة بإستعراض وتقييم السياسات المتبعة في مصر للإصلاح التجاري وتخلص الى بعض النتائج والتوصيات في هذا الصدد.

حالة الإصلاح التجاري في مصر بين سياستي الحماية والتحرير

تعتمد السياسات التجارية على عنصرين أساسيين هما الأهداف التي يتم وضعها للسياسات، والأدوات التي يتم استخدامها لتحقيق تلك الأهداف. يمكن أن تكون الأهداف إما مالية تتعلق على سبيل المثال بسعر العملة، وإما اجتماعية تتعلق بدعم صناعات محلية معينة، وإما اقتصادية تتعلق بالاقتصاد الكلي والجزئي، وإما استراتيجية تتعلق بنظرة الدولة لنفسها ودورها. من أجل تحقيق تلك الأهداف تعتمد السياسات التجارية على أداتين، هما الأسعار (التعريفة)، وأدوات غير تعريفية.

بالنسبة لأداة الأسعار، فتشمل التعريفة على الواردات (قيمية أو نوعية)، وضرائب الصادرات، ودعم الصادرات، ودعم الإنتاج المحلي، وضرائب الاستهلاك.

أما عن الأدوات غير التعريفية، فتكون على سبيل المثال النسبة بين حصص الواردات للصادرات، ومتطلبات التراخيص، الاشتراطات البيئية والصحية.

باستخدام تلك الأدوات يتبين وجود توجهين أساسيين للتجارة الخارجية، إما توجه حمائي يستهدف حماية الصناعة المحلية عن طريق الانغلاق ورفع قيمة التعريفات، وإما توجه تحرري يستهدف زيادة الصادرات والانفتاح على الأسواق العالمية. يتمثل الجدل حول إصلاح سياسات التجارة الخارجية بين سياستي الحماية والتحرير؛ حيث ظل السؤال المطروح بين الأكاديميين: في أي اتجاه يجب أن يتم إصلاح السياسات التجارية؟ وما هي أفضل الوسائل والكفاءات التي تحقق ذلك؟

ناقشت الأدبيات كلا الاتجاهين؛ حيث أشار الفريق المؤيد لتحرير التجارة إلى أن ذلك يؤدي إلى زيادة معدلات النمو، وبالتالي يحاجج أصحاب ذلك الاتجاه بأن إزالة العوائق التجارية وتحرير السوق ورفع تدخل الدولة في تنظيم السياسات التجارية، سيكون هو الاتجاه الأمثل في الحصول على نتائج إيجابية من التجارة الخارجية([1]).

على الجانب الآخر، بدأت النزعة الحمائية في التجارة الخارجية مع خمسينات القرن الماضي؛ حيث اتجهت الدول النامية لسياسة إحلال الواردات، عن طريق تغذية السوق المحلية بالمصنوعات بدلًا من استيرادها، وهي السياسة التي تعود إلى عدد من الاقتصاديين([2]) الذين دعوا إلى زيادة عجلة التصنيع المحلية في الدول النامية، عن طريق وضع حماية جمركية مرتفعة، وإقامة صناعات ناشئة ومحمية لتحل محل الواردات، وذلك بسبب توقعهم تدهور الأسعار العالمية.

إلا أن أداء الدول النامية شهد تدهورًا شديدًا في معدلات النمو في الثمانينات، بسبب ارتفاع معدلات الدين الخارجي، وتدهور اتفاقيات التبادل التجاري. أدى ذلك إلى إعادة النظر في فلسفة التنمية التي كانت تعتمد على استراتيجية التوجه إلى الداخل في ذلك الوقت. إضافة إلى ذلك، أظهرت دول شرق آسيا نتائج إيجابية، من حيث معدلات النمو وارتفاع التنافسية العالمية للفترة نفسها؛ لكن عن طريق سياسة التوجه إلى التصدير، مما أدى إلى زيادة القبول حول مبدأ تحرير التجارة والتوجه إلى الصادرات([3]).

وعلى صعيد المؤسسات الدولية فقد أسهم البنك الدولي وصندوق النقد في إدماج سياسة تحرير التجارة كشرط أساسي من أجل الحصول على تمويل برامج الإصلاح. ويشير الجدول رقم (1) إلى مقارنة بين السياسة الحمائية والتحررية من حيث التعريف والأدوات والمميزات والعيوب.

مقارنة السياسات الحمائية والتحررية([4])([5])

  السياسة الحمائية السياسة التحررية
التعريف تعني وضع كافة القيود على الواردات لحماية صادرات الدولة من المنافسة الأجنبية. تعني إلغاء كافة القيود والقواعد التي تتسبب في تراجع التجارة بين الدول بعضها ببعض.
السياسة المتبعة سياسة إحلال الواردات سياسة التحول إلى التصدير
الأدوات فرض الضرائب. رفع الرسوم الجمركية. الحد من الواردات عن طريق فرض القوانين. دعم السلع المحلية وتقديم الإعانات. رفع الدعم عن الصناعات المحلية. تقليل الرسوم الجمركية. تسهيل قوانين الاستيراد. رفع الدعم عن السلع المحلية.
المميزات تساهم في حماية الصناعات المحلية.تساهم في اعتمادية الدولة على الإنتاج الذاتي (الإحلال).تساهم في إجبار الدول الأجنبية على تخفيض أسعار السلع بما يتلاءم مع الأوضاع الاقتصادية للدولة.تشجيع الصناعات المحلية وزيادة الطلب عليها، وبالتالي تأتي في صالح العمالة الوطنية. تفتح المجال أمام الدول ذات السوق المحلية الصغيرة.تساهم في تعزيز النمو الاقتصادي من خلال الاستيراد والتصدير.تساهم الاتفاقات التجارية في تراجع أسعار بعض السلع.تزيد من كفاءة المنتجات ودخول تكنولوجيا جديدة، ورفع كفاءة العنصر البشري.
العيوب تقلل من جودة المنتج المحلي، نظرًا لعدم وجود منافسة حقيقية.صعوبة نقل الخبرات والمواد التكنولوجية والبشرية إلى السوق المحلية.عدم إتاحة الاختيار أمام المستهلكين بوجود منتجات أخرى بكفاءة أعلى. قد تتأثر السوق المحلية بصورة سلبية، نظرًا لوجود منافس أجنبي.  

جدول رقم (1)

الإصلاح التجاري واستراتيجيات التحول من الإحلال إلى التصدير

ناقش البعض استراتيجية التحول إلى التصدير، بكونها انعكاسًا للتحرر التجاري الكامل الذي يعني إزالة جميع القيود والعقبات التي تواجه التجارة، بما في ذلك التعريفة الجمركية على الواردات، والامتناع عن تقديم الحوافز لتشجيع الصادرات. إلا أنه لا توجد نتائج أكاديمية تشير إلى أن الدول التي اتجهت نحو الحرية الكاملة للتجارة استطاعت أن تحقق درجات عالية من النمو([6]).

ولذلك يمكن تعريف استراتيجية التحول إلى الخارج بأن تقوم السياسة التجارية بوضع حد للتحيز ضد قطاع الصادرات، وأن تكون السياسة التجارية محايدة بين القطاعين([7])، أي أن استراتيجية التوجه إلى الخارج لا تتعارض مع وجود قدر من الحماية لتشجيع الصناعات والمنتجات المحلية، ما دامت هذه الحماية لا تؤدي إلى عزل السوق المحلية عن السوق العالمية([8]).

تشير دراسة نشرت بالمعهد العربي للتخطيط([9]) إلى أن الحماية التي لا تعزل السوق المحلية عن السوق العالمية هي التي تعتمد على أدوات التعريفة الجمركية، ويرجع السبب في ذلك إلى أن أدوات التعريفة الجمركية هي أدوات سعرية وليست أداة تقيد كمية الصادرات. وتتميز الأداة السعرية بالشفافية من حيث مقدار الحماية المفروضة على السوق، إضافة إلى أنها تساعد المنتج المحلي على التأثر بالأسعار العالمية، مما يحفز المنتجين المحليين في تطوير منتجاتهم. كما تحمي الأداة السعرية المستهلكين من تحمل أعباء سوء جودة المنتج المحلي، في حال عزلة السوق المحلية عن المنتجات العالمية.

في المقابل، فإن استخدام أداة التعريفة الجمركية بصورة مبالغة عن طريق رفع تعريفة الجمارك أو تنوعها أو عدم شفافية استيفائها، يؤدي إلى انخفاض الكفاءة الاقتصادية في عملية التصدير. لذلك الافضل أن يعتمد الإصلاح المتعلق بالتعريفة الجمركية على مستويين: الأول يتعلق بتخفيض الرسوم الجمركية، والثاني يتعلق بتقليص التشتت وتعدد نسب التعريفة الجمركية.

فمن ناحية فإن رفع الرسوم الجمركية خصوصًا على السلع المصنعة المنافسة للسلع المنتجة محليًّا ينتج عنه رفع درجة الأمان والحماية لتلك السلع المحلية، والذي قد يؤدي إلى غياب المنافسة وبالتبعية منع المنتج المحلي من التطوير. كما أن تبسيط وتقليص عدد النسب في جدول التعريفة الجمركية يقلل من فرص الفساد، وذلك بسبب تقليل مساحة تدخل موظفي الجمارك في مسألة حساب النسب، الذي قد يفتح باب الفساد والرشى.

ومن ناحية أخرى، تشير دراسة بعنوان “الاقتصاد السياسي للسياسة التجارية في مصر”([10]) إلى أن إصلاح السياسة التجارية وتحويلها إلى سياسة حرة أعقد من مجرد تفعيل بعض السياسات المتعلقة بالتعريفة الجمركية أو العوائق غير الجمركية وحسب، فعلى سبيل المثال قد تعتمد الدولة تعريفة جمركية منخفضة وقليلة التشتيت؛ لكن في المقابل فإن تلك الدولة لديها معدلات عالية من القرصنة وانخفاض حماية الملكية الفكرية، أو ما إذا كانت الدولة قد وقعت على عدد ضئيل من الالتزامات الدولية المتعلقة بالتبادل التجاري في قطاع الخدمات، ولكن في المقابل حررت كثيرًا من التعاملات في قطاع الصناعة.

وتشير الدراسة إلى أن البعد المؤسسي والهدف التنموي الذي يختلف من دولة لأخرى وتجربة لأخرى يجعل مسألة الإصلاح التجاري أوسع من مجرد اتباع سياسات جمركية بعينها، حيث تواجه عملية الإصلاح التجاري ثلاث مشكلات رئيسية، وهي([11])

أ- فوائد تحرير التجارة كانت مقومة بأكثر من حقيقتها، وذلك بسبب الإجماع العالي على أن الانفتاح التجاري هو مصدر أساسي للنمو، بينما تجارب عدد من الدول أكدت أن تحرير التجارة والانفتاح هي أدوات وليست أهدافًا.

ب- الإصلاح التجاري وأدواته هي أجزاء من منظومة اقتصادية معقدة، تجعل الإصلاح التجاري من الصعب فصله عن بقية السياسات، وتجعل الإصلاح التجاري عرضة للبيروقراطية في مختلف الوزارات المعنية.

ج- وأخيرًا فإن الإصلاح التجاري هو عملية سياسية؛ لأن السياسات التجارية متصلة بشبكة من المصالح المختلفة.

وهنا تبدو عملية الإصلاح التجاري أعمق وأشمل من إقرار سياسات جمركية وإزالة العوائق غير الجمركية فقط؛ بل يمتد الأمر إلى الحاجة لإصلاح المؤسسات، بما في ذلك الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتحقيق عملية تنمية شاملة لضمان إحداث حالة نجاح في السياسات التجارية.

وتخلص الدراسة إلى تعريف الإصلاح التجاري بأنه مجموعة من الأدوات الاقتصادية والمؤسسية ا.للازمة لخلق بيئة موائمة للعاملين في مجال التجارة؛ حيث تتسم هذه البيئة بالقدرة على التوقع، والاتساق، والاستمرارية حتى يتحقق توزيع أفضل للموارد، وهو ما يتطلب التنسيق بين السياسات والأدوات.

يشمل هذا التعريف مساحة أوسع من التعريفات التقليدية للإصلاح التجاري، مثل تعريف البعض أن حرية التجارة تقتضي إزالة التعريفة الجمركية على الواردات والامتناع عن تقديم الإعانات للصادرات([12])، وهو تعريف ينتقده البعض نظراً لعدم وجود دلائل قوية تشير إلى أن الدول التي طبقت حرية تجارة كاملة استطاعت أن تحقق نموًّا اقتصاديًّا عاليًا([13])؛ أو التعريف الآخر الذي يراه البعض بأن مفهوم الإصلاح يقتضي وضع حد للتحيز ضد قطاع الصادرات، وأن تكون السياسة محايدة بين القطاعين([14]).

تاريخ تطور الإصلاح التجاري في مصر

بدأت عملية الإصلاح التجاري في مصر عام 1986 والتي شملت إصلاحًا كاملًا للهيكل الجمركي، واستمرت حتى تبني برنامج الإصلاح الاقتصادي عام 1991 الذي كان يهدف إلى التحول من سياسة إحلال الواردات إلى سياسة تنشيط الصادرات. كما أشارت منظمة التجارة العالمية إلى أن معدل الحماية الفعلي تناقص بصورة ملحوظة بين عامي 1991 و1998([15]). إضافة إلى ذلك فقد صدر قرار جمهوري عام 2001 يهدف إلى تخفيض معدلات الجمارك على بعض السلع، وزيادتها على البعض الآخر، وهو ما أدى إلى زيادة درجة التشتت في التعريفة، أي أن هناك فروقًا كبيرة بين أعلى وأقل نسبة للجمارك.

أما على مستوى العوائق غير الجمركية، فقد حققت مصر بعض النجاحات في ذلك الأمر؛ حيث أزالت القيود على الاستيراد باستثناء الملابس، وأزالت عددًا كبير من السلع الموضوعة على قائمة الواردات باشتراطات معينة، والتي انخفضت من 15 سلعة في 1991 إلى 3 سلع في 1995. لكن في المقابل،

فرضت مصر رسومًا جمركية بنسبة 1%، لتلافي الانخفاض الحاصل في التعريفة الجمركية، مما زاد من درجة انعدام الشفافية، وارتفعت أيضًا نسبة التشتت في التعريفة؛ نظرًا لوجود بعض القطاعات التي لم يشملها التخفيض، مثل السيارات والملابس، مما أدى إلى ظهور ما يعرف بالقمم التعريفية. وأظهرت المعايير المصرية الموضوعة درجة توافق منخفضة للغاية مع المعايير الدولية، بنسبة قلت عن 20% عام 1992.

اجمالاً فإن السياسات المتبعة للإصلاح التجاري في فترة التسعينات([16]) صاحبها عديد من النواقص، فعند استخدام نتائج السياسات كمؤشر لقياس مدى نجاح سياسات الإصلاح التجاري، ظهرت النتائج متواضعة للغاية، وفي حال إدراج السياسات الناجحة ونتائجها المتواضعة، فيمكن الحكم النهائي على أن نتائج الإصلاح التجاري في مصر مختلطة.

السياسات التجارية الراهنة لمصر

أصدرت منظمة التجارة العالمية آخر مراجعاتها للسياسات التجارية في مصر عام 2018 ([17])، وكان آخر تقرير صدر قبل ذلك يعود إلى 2005، واستعرض التقرير الحالة التجارية في مصر على النحو التالي:

شكلت التجارة نسبة 18% من الناتج المحلي خلال الفترة بين 2013 و2015، وحصلت مصر على المركز الـ47 عالميًّا في التصدير، والمركز الـ26 في الاستيراد. أيضًا انخفض العجز في الميزان التجاري من 52.4 مليار دولار لعام 2015 إلى 35.6 مليار دولار لعام 2016، والسبب وراء ذلك الحد الكبير من الواردات.

كما انخفضت نسبة الصادرات بصورة كبيرة في عام 2016 إلى 22.5 مليار دولار، مقارنة ب31.6 مليار دولار عام 2011. كما يذكر التقرير تنوع الصادرات المصرية مقارنة بالتقرير الأخير له في 2005، والذي شكلت فيه المنتجات البترولية في ذلك الوقت النسبة الأكبر من الصادرات بواقع 43%، ولكنها انخفضت في 2011 إلى 31.4% وفي 2016 إلى 15.7%. بينما تظل المنتجات البترولية من أهم الصادرات المصرية، تليها الخضراوات بنسبة 12.5% في 2016 (كانت 8.7% في 2011) والتعدين بنسبة 11.8% والمواد الكيماوية بنسبة 11.3%، والمنسوجات بنسبة 11.2% في 2016، شكل رقم (1).

أما عن واردات البضائع، فقد بلغت 58.1 مليار دولار في 2016 مقارنة ب74.4 مليار دولار في 2015 و62.3 مليار دولار في 2011. شكلت الآلات والمعدات الكهربائية النسبة الأكبر من الواردات بنسبة 16.1% في 2016، مقارنة ب 14.6% في 2011. يلي ذلك المنتجات البترولية بنسبة 14.9%، والمعادن الأساسية بنسبة 11.4%، ثم الخضراوات بنسبة 9.4%، والمنسوجات بنسبة 5% لعام 2016، شكل رقم (1).

شكل رقم (1)

واردات البضائع
واردات البضائع
واردات البضائع
واردات البضائع

كذلك تنوعت الدول المصدر إليها؛ حيث تصدرت دول الاتحاد الأوروبي القائمة، خصوصًا إيطاليا وإنجلترا، بنسبة 25.9% والتي بلغت 30.7% في 2011. تلاها دولة الإمارات بنسبة 12.6% بعد أن كانت 2.7% في 2011، والسعودية بنسبة 7.8%، وتركيا بنسبة 6.4%. وانخفضت نسبة الصادرات للولايات المتحدة من 5.8% في 2011 إلى 4.5 % في 2016، (شكل رقم (2).

أما من حيث الدول التي يتم الاستيراد منها، فاحتل الاتحاد الأوروبي المركز الأول بنسبة 32.4%، خصوصًا دول إيطاليا وألمانيا وإسبانيا، مقارنة بـ 29.3% لعام 2011. تلي ذلك الصين وبعض الدول الآسيوية بنسبة 27.3%، ومن ثم الولايات المتحدة وتركيا والسعودية وروسيا والبرازيل، (شكل رقم (2).

شكل رقم (2)

الدول المصدر إليها
الدول المصدر إليها
الدول المصدر إليها
الدول المصدر إليها

كما أشار التقرير إلى أن أهم القوانين المتعلقة بالشأن التجاري كان آخرها القرار الرئاسي 25 و538 لسنة 2016، المتعلق بتعديل بعض التعريفات الجمركية([18])، وكذلك قانون الاستثمار الجديد رقم 72 لسنة 2017 الذي ساهم في رفع تقييم مصر العالمي في مؤشر سهولة الأعمال. كما ساهمت التعديلات الجمركية الحاصلة في 2004 في حل بعض المشكلات التي تواجه التعريفة الجمركية،

واستهدفت خفض المتوسط العام للمعدلات الجمركية إلى 19%، وتقليل عدد الفئات الجمركية إلى 6 باستثناء التبغ والمشروبات الكحولية والسيارات الأكثر من 2000 سي سي، ووضع حد للتشتت ليصل إلى 0.8% بدلًا من 0.9%. سوى ذلك فإن القوانين المتعلقة بالتجارة تظل كما هي منذ قانون رقم 2 لسنة 1957 المتعلق بتطبيق المواصفات القياسية بشأن منتجات القمح.

حالة الميزان التجاري المصري في الوقت الراهن

يستخدم مؤشر الميزان التجاري للدلالة على حجم الفارق بين الواردات والصادرات. ويشير الشكل رقم (3) إلى تطور حركة الصادرات والواردات في مصر منذ 2014 وحتى 2018. كان من المتوقع ارتفاع نسبة الصادرات بعد قرار التعويم في 2016؛ إلا أن الزيادة كانت متواضعة. كما يكشف هيكل المدفوعات من الواردات غير السلعية عن ضعف أداء الإنتاج؛ حيث بلغت النسبة الأكبر للسلع الوسيطة بنسبة 34.4%، ومثلت السلع الاستهلاكية 27.5%؛ بينما لم تمثل نسب السلع الاستثمارية كالعِدد والأدوات سوى 19.2% والمواد الخام 13.5%([19]).


شكل رقم (3)

حالة الميزان التجاري المصري في الوقت الراهن
حالة الميزان التجاري المصري في الوقت الراهن

 

تقييم عام لسياسات الإصلاح التجاري في مصر

تفتقر سياسة الإصلاح التجاري في مصر إلى عدة جوانب مهمة، فعلى الجانب المؤسسي تفتقر سياسة الإصلاح المتبعة إلى الاتساق بشكل عام؛ حيث صدرت القوانين بتخفيض التعريفة الجمركية؛ لكن على المقابل نجد أن رسوم الواردات ارتفعت مثل رسوم الـ1% على التخليصات الجمركية، ورسوم أخرى غير محددة، مما زاد من درجة انعدام الشفافية، وهو ما فتح الباب أمام الفساد الحاصل من موظفي الجمارك للتلاعب بجداول التعريفات الجمركية. إضافة إلى ذلك ([20]) فأن التعريفات المطبقة في مصر أعلى من التعريفة المربوطة في جداول مصر بمنظمة التجارة العالمية، وقد وصل عدد هذه الحالات إلى 1300 حالة، وهو ما يشير إلى انخفاض معدلات الشفافية.

يمكن تلخيص التحديات التي تواجه الإصلاح التجاري في مصر، في عدم الاتساق من حيث الالتزام بالسياسة، مثل خفض التعريفات الجمركية دون تشتيت أو  إزالة العوائق غير الجمركية، إضافة إلى الاهتمام برفع معدلات الشفافية، من حيث اعتماد جدول موحَّد للرسوم الجمركية، وإتاحة مشاركة المعلومات.

جراء ذلك، قامت الحكومة بإدخال تعديلات جمركية مهمة في 2004، ساهمت في مشكلة عدم الاتساق؛ حيث كان معدل المتوسط العام لمعدلات التعريفة الجمركية 21%، وهو أعلى من المتوسط السائد في الدول النامية بمنظمة التجارة 15%. وبلغت نسبة التشتت بين معدلات التعريفة الجمركية في مصر 0.9% مقارنة بالمتوسط السائد في الدول النامية بـ0.7%. وبلغت عدد فئات التعريفة في مصر 27 فئة، بينما كان المتوسط في الدول النامية 6 فقط.

بناء على ذلك، قدمت الحكومة مجموعة من التعريفات الجمركية الجديدة في 2004 السابق ذكرها، والتي استهدفت خفض المتوسط العام للمعدلات الجمركية إلى 19%، وتقليل عدد الفئات الجمركية إلى 6 باستثناء التبغ والمشروبات الكحولية والسيارات الأكثر من 2000 سي سي، ووضع حد للتشتت ليصل إلى 0.8% بدلًا من 0.9%.

ساهمت تلك التعديلات في حل عدد من العقبات التي تواجه عملية التحرر التجاري؛ إلا أنه من المهم ذكر أن عملية الإصلاح التجاري لا تتعلق فقط بتعديل السياسات أو تطوير المؤسسات التجارية، وإنما هي مرتبطة بصورة أساسية بربط عملية الإصلاح بنموذج تنموي شامل للاقتصاد.

إذًا، هل يمكن القول بأن الإصلاح التجاري في مصر متجه نحو التحرر؟ أم أنه لا يزال حمائيًّا؟ في المجمل يمكن القول بأن مصر تحركت نحو خطوات سياسة تجارية أكثر انفتاحًا للأسباب التالية([21]):

  • أصبحت مصر عضوًا في عديد من الاتفاقات الدولية، مثل الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية (الجات)، وعضوًا في منظمة التجارة العالمية.
  • شاركت مصر في تنفيذ عديد من اتفاقيات التجارة التفضيلية التي عززت تحول السياسة التجارية نحو مزيد من التحرر التجاري وتعزيز الصادرات.
  • جميع الاتفاقات التجارية التي شاركت فيها مصر تابعة لاتفاقيات التجارة الحرة، كما شاركت في عديد من الاتفاقيات التي تشبه التجارة الحرة مع بعض الدول العربية.

توصيات

ينبغي العمل على مستويات للإصلاح التجاري، تضمن إيجاد أدوات صحيحة لتحصيل الإيرادات، وبناء نظام كفؤ لإدارة أهداف المصالح المختلفة، من رجال أعمال وتجار، وتطوير النظام البيروقراطي ورفع كفاءته.

يساعد في ذلك بناء قواعد بيانات خاصة بالحكومة، وشبكات معرفية، من أجل ضبط وتقييم عملية جمع الإيرادات ووسائل توزيع الدخل. كما ينبغي إيضاح النموذج الاقتصادي المتبع، سواء بتدخل للحكومة في تنظيم عمليات السوق أو انعزالها عنها بصورة كبيرة، والعمل على تكامل ذلك النموذج مما سيطور من قدرة الحكومة على إدارة تضارب المصالح بين الدوائر المختلفة. وأخيرًا ينبغي رفع كفاءة الإدارة وتدريب العاملين من أجل تطبيق أمثل وأكفأ للسياسات المعتمدة.


([1]) Krugman, Paul (1993), “The Narrow and Broad Arguments for Free Trade, American Economic Review”, May, pp. 262‑366

([2]) Singer 1950 , Raul Prebish 1950  كما وردت في جمال الدين زروق،1998، (واقع السياسات التجارية العربية وآفاقها في ظل اتفاقية منظمة التجارة العالمية) المعهد العربي للتخطيط.

([3]) جمال الدين زروق،1998، (واقع السياسات التجارية العربية وآفاقها في ظل اتفاقية منظمة التجارة العالمية) المعهد العربي للتخطيط.

([4]) إيكويتي، «السياسات التجارية ما بين الحمائية وحرية التجارة»، أبريل 2018، رابط

([5]) WHO «النظام التجاري العالمي ومختلف اتفاقيات التجارة العالمية»  LINK

([6])  Lal, Deepak.And Rajapatirana, Sarath. (1987) Foreign Trade Regimes and Economic Growth in Developing Countries, World Bank Res. Observer.

([7]) جمال الدين زروق، مصدر سابق.

([8]) Krueger, Anne O. (1978),Foreign trade regimes and economic development: Liberalization attempts and consequences, Ballinger Pub. Co. for NBER., Cambridge, MA.

([9]) جمال الدين زروق، مصدر سابق.

([10]) نهى مكاوي وأحمد غنيم (2002) «الاقتصاد السياسي للسياسة التجارية في مصر»، جمعية العلوم الاقتصادية السورية. رابط  

([11]) نهى وأحمد، مصدر سابق.

([12]) جمال زروق، مصدر سابق.

([13]) Lal, Deepak.And Rajapatirana, Sarath. (1987) Foreign Trade Regimes and Economic Growth in Developing Countries, World Bank Res. Observer.

([14]) جمال زروق، مصدر سابق.

([15]) World Trade Organization (1999), “Trade Policy Review of Egypt, Geneva”, August, 1999.

([16]) نهى وأحمد، مصدر سابق.

(([17] World Trade Organization (2018), “Trade Policy Review of Egypt”, January 2018.

([18]) http://www.mof.gov.eg/mofgallerysource/arabic/customs/gamarek.htm

([19]) عبد الحافظ الصاوي «الوضع الاقتصادي في مصر… تراجع لا تعافٍ» المعهد المصري للدراسات، يونيو، 2019.

([20]) نهى وأحمد، مصدر سابق.

([21]) أحمد غنيم «السياسة التجارية في مصر» بوابة التنمية العربية، مارس 2015. رابط

معضلة ديون مصر

الاستحواذ الخليجي على مصر (1)

الاستحواذ الخليجي على مصر (2)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى