حياة الناس

الاستحواذ الخليجي على مصر (1)

مصر تدفع ثمن المساعدات الخليجية

منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013 بمصر، منحت الدول الخليجية مصر منح ومساعدات وصلت إلى 12 مليار دولار حسب بعض الاحصائيات، في محاولة لتحسين صورة النظام أمام الجماهير وتعزيز صمود الدولة اقتصاديا. بعض هذه المساعدات جاءت مصر في صورة مشروعات تنموية مثل بناء إسكان اجتماعي أو ببناء صوامع للقمح أو بناء عدة وحدات صحية بالمناطق الفقيرة.

الاستحواذ الخليجي على مصر
الاستحواذ الخليجي على مصر

لم تكن هذه الهبات مجرد مساعدات إنسانية غير مشروطة، بمرور الوقت بدأت الخريطة الاقتصادية للخليج بمصر في الظهور للعلن، فقد استحوذت الشركات الخليجية على الأسواق المصرية في عدة قطاعات بشكل كبير، وبشكل حصري أحيانا، دون معايير للتنافس الحر مع الشركات العربية والأجنبية الأخرى.

وفقا لاحصائيات اقتصادية فإن الشركات الإماراتية في مصر بلغ عددها 674 شركة، وتملك السعودية والإمارات مجتمعة استثمارات بمليارات الدولارات في الكثير من القطاعات الاقتصادية والتجارية، مثل الصحة والبنوك والموانئ والمراكز التجارية، والاتصالات، وكذلك النفط والزراعة والخدمات ومحلات التجزئة والعقارات والسياحة، وغيرها من خلال آلاف الشركات.

الاستحواذ الخليجي على مصر
الاستحواذ الخليجي على مصر

وتحتل مصر المرتبة الأولى في استثمارات السعودية عربيا، بإجمالي 54 مليار دولار، منها 44 مليار دولار استثمارات للقطاع الخاص، وعشرة مليارات دولار استثمارات للحكومة السعودية من خلال 5392 شركة، فيما بلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين خلال 2018 نحو ثمانية مليارات دولار، وفق مجلس الأعمال السعودي المصري.

بينما يبلغ حجم الاستثمارات الإماراتية فى مصر نحو7.2 مليارات دولار من خلال 1114 شركة، ويصل حجم التبادل التجاري إلى نحو 5.3 مليارات دولار، وفق بيانات الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة.

وكان عبد الفتاح السيسي، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، قد وقعا اتفاقا لتأسيس منصة استثمارية مشتركة بقيمة عشرين مليار دولار عبر شركة أبو ظبي التنموية القابضة وصندوق مصر السيادي.

الانتشار الخليجي في القطاعات الاقتصادية

بدأ الاستحواذ الخليجي بالدخول في سوق العقارات عام 2015، وفي غضون شهور قليلة أصبح السوق المصري العقاري يضم عدد من الشركات العقارية الخليجية الكبرى، على رأسها شركة «إعمار» العقارية ومجموعة “الفطيم” العقارية من الإمارات و”الحكير” و”بن لادن” والشيخ صالح كامل ، والشربتلى “.

وفي أبريل الماضي، قال الرئيس التنفيذي للشركة الوطنية للتبريد المركزي “تبريد” الإماراتية، بدر اللمكي، إن شركته تتطلع إلى عمليات استحواذ خلال الفترة المقبلة، خاصة في مصر. وتعمل الشركة في تشغيل أنظمة تبريد المناطق عن طريق محطات مركزية توفر خدمات التبريد للمباني، كانت “تبريد” قد أعلنت من قبل عن استحواذها على حصة بـ80% من نشاط شركة إعمار العقارية الإماراتية.

الاستحواذ الخليجي على مصر
الاستحواذ الخليجي على مصر

ووفقا لدراسة بالمعهد المصري للدراسات، حول الاستثمار الزراعي الخليجي بمصر، فإن فإن المساحة الإجمالية التي تسيطر عليها شركات خليجية سعودية وإماراتية بالأساس في مصر تبلغ وفقاً لموقع مصفوفة الأرض حوالي 182 ألف هكتار/ 450 ألف فدان من خلال 14 عملية استحواذ على الأراضي. إن هذه المساحة تشكل 5% من المساحة الكلية المنزرعة في مصر والتي تبلغ 8.9 مليون فدان، وهي أكبر من إجمالي المساحة المنزرعة في أكثر من محافظة مصرية زراعية ويقتات عليها ملايين المصريين.

ومنذ عام 2018 ومع تعديل قانون الرياضة في مصر، الذي أتاح تأسيس شركات متخصصة في الاستثمار والتسويق الرياضي، وسمح للأندية القائمة بتوفيق أوضاعها لتصبح شركة متخصصة في الاستثمار الرياضي.

دخلت الشركات الخليجية على الفور على خط الاستثمارات الرياضية، وقالت شركة “فانزر” السعودية أنها تخطط لإنشاء ثلاثة مشروعات استثمارية في القطاع الرياضي بالسوق المصرية، فضلا عن تطبيق إلكتروني خاص بالدوري المصري الممتاز، يوفر إحصائيات وقاعدة معلوماتية لمشجعي الأندية. بالإضافة إلى مشروع “سبورت كافيه” بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة.

فيما تعتزم شركة غرين غول السعودية لإنشاء فرع لها في مصر لخدمة المنطقة العربية بشكل كامل مع دعم السوق السعودية، وتقدم الشركة خدمات تنظيم المعسكرات والملابس الرياضية والرعايات والإعلانات وتنظيم الفعاليات الرياضية، بالإضافة إلى قائمة طويلة من الدورات على مدار العام لدعم خطط التطوير الرياضي في جميع التخصصات.

جدير بالذكر أن رئيس هيئة الترفيه السعودية، ومستشار الديوان الملكي ” تركي آل الشيخ” كان قد استحوذ على نادي الأسيوطي، وأطلق عليه نادي “بيراميدز”، ثم باعه لرجل الأعمال الإماراتي، سالم سعيد الشامسي.

والعام الماضي 2019، أعلن مكتب “سري الدين” للاستشارات القانونية، عن بيع أسهم شركة “الشرقية للدخان” المصرية، أكثر الشركات المصرية ربحا ومساهمة في الموازنة العامة للدولة، لرجال أعمال من الإمارات والسعودية.

وبدأت الحكومة طرح حصة أسهم إضافية نسبتها 4.5 في المئة، من الشركة التابعة لقطاع الأعمال العام بالبورصة الأحد الماضي، لتجمع ما يصل إلى 1.6 مليار جنيه، وحددت سعر الطرح النهائي بمبلغ 17 جنيها للسهم.

التوسع في القطاعات الأكثر حساسية

وفي فبراير الماضي 2020 ، بدأت مفاوضات استحواذ لشركة الاتصالات السعودية ‎ (STC)‎على حصة فودافون العالمية في مصر، بعد أيام من دخول بنك أبو ظبي الإماراتي مفاوضات للاستحواذ على بنك عودة اللبناني بمصر، وتبلغ القيمة المبدئية لصفقة الاستحواذ على حصة فودافون مصر البالغة 55% من أسهم الشركة نحو 2.4 مليار دولار، علما بأن الشركة لديها 40.5 مليون مشترك، وهو الأكبر بين شركات الاتصالات العاملة في مصر.‏

وفقا لتقارير محلية، بلغت استثمارات قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الإماراتي في مصر بلغ حوالي 2.08 مليار دولار، وتوسعت دولة الإمارات في الاستثمار بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات داخل مصر، وهو القطاع الذي انحصر الاستثمار فيه على جهات سيادية داخل الدولة أو عن طريق شراكتها مع المستثمر الأجنبي الذي ينال الموافقات الأمنيةن وتنص شروط ترخيص شركات المحمول في مصر على ضرورة حصول شريك محلي على حصة من الشركة، لا تقل عن 20%. 

وفي القطاع الصحي، تمتلك الإمارات عبر شركة “أبراج كابيتال” سلسلتي معامل “البرج” و”المختبر”، ونحو 15 مستشفى خاصا، فيما تمتلك مجموعة علاج السعودية في مصر، تسعة مستشفيات، ومعامل كايرو لاب للتحاليل الطبية، ومراكز تكنوسكان للأشعة. وعلى مدار العامين الأخيرين، نجحت شركة أبراج كابيتال الاقتصادية الإماراتية العملاقة، والمتخصصة في إدارة الملكيات الخاصة، في إتمام أكثر من صفقة استحواذٍ لها على أكبر كيانات طبيّة داخل مصر، نقلتها من مُجرد مُستثمر إلى مُحتكر لهذا القطاع الطبي الذي يخدم الملايين من المواطنين.

شملت صفقات الاستحواذ للشركة الإماراتية، شراء 12 مستشفى خاصًا، أبرزها مستشفى «القاهرة التخصصي»، و«بدراوي»، و«القاهرة»، و«كليوباترا»، و«النيل»، بجانب معامل التحاليل الأشهر: «المختبر» و«البرج»، وتأسيس شركة جديدة تضم المعملين، وإتمامها صفقة شراء شركة آمون للأدوية.

على جانب آخر، وفي مجال الثروات المعدنية، وقعت هيئة الثروة المعدنية اتفاقية عام 2008 مع شركة «آل ثاني دبى» للتعدين الإماراتية حصلت الشركة بموجبها على امتياز التنقيب عن الذهب بمنطقتي حوضين ووادي كريم غرب شلاتين لمدة خمس سنوات تنتهي في 2015، وتنص الاتفاقية كذلك على تقاسم الإنتاج بين الهيئة والشركة.

وفي نفس السياق، بدأت شركة بايونيرز القابضة للاستثمارات المالية في مايو الماضي، تنفيذ خمس عمليات استحواذ على الحصص المكملة لنسبة 90% من أسهم خمس من شركاتها المدرجة بالبورصة المصرية وذلك من خلال عمليات مبادلة أسهم، وذلك بعد استبعاد الحد الأدنى للأسهم حرة التداول وفقاً لقواعد قيد الأوراق المالية بالبورصة واللازمة لاستمرار قيد أسهم الشركات المستهدفة بالبورصة المصرية.

ومن المقرر أن تستحوذ المجموعة على 9.42% من أسهم شركة القاهرة للإسكان والتعمير، و 50.25% من أسهم الشركة المتحدة للإسكان والتعمير، و19.35% من أسهم شركة الكابلات الكهربائية المصرية، و51.14% من أسهم شركة الصعيد العامة للمقاولات والاستثمار العقاري، وأخيراً الاستحواذ على نسبة 41.56% من أسهم شركة الجيزة العامة للمقاولات.

يبرر البعض أن الاستحواذ الخليجي على الاقتصاد المصري، فرصة لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى مصر وهو ما تطمح إليه أغلب الحكومات، لكن نظرة أكثر عمقا على القطاعات التي تتوغل فيها الشركات الإماراتية بمصر، سوف تكشف أن أمن مصر القومي ومشروعاتها السيادية باتت في خطر جراء سيطرة المال الخليجي أو الإماراتي تحديدا على مفاصل الدولة والتي سيعاني منها الشعب المصري لعقود قادمة، وهو ما سنتناوله في التقرير القادم.

الاستحواذ الخليجي على مصر (2)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى