سياسات

المضي قدما بعيدا عن الفقراء..سياسات رفع دعم الطاقة في مصر

دعم الطاقة لغير المستحقين

المضي قدما بعيدا عن الفقراء..سياسات رفع دعم الطاقة في مصر

 

المحتويات

سياسات رفع الدعم عن الطاقة. 2

أولا: سلبيات الدعم الحكومي للطاقة: 2

ثانيا: توصيات المؤسسات الدولية بخصوص الإجراءات المصاحبة لرفع الدعم: 4

التجارب المقارنة: تجربة البرازيل وإندونيسيا في رفع الدعم.. 5

1- البرازيل: الشركات أولا ثم الأفراد: 5

2- إندونيسيا: ولادة متعثرة لمشروع فاشل: 8

تقييم تجربة رفع دعم الطاقة في مصر.. 10

أولا: التسلسل الزمني لرفع الدعم في مصر منذ العام 2014: 11

ثانيا: أين ذهبت الأموال التي وفرتها الحكومة من رفع الدعم: 13

ثالثا: تقييم أثر برامج الدعم النقدي للفقراء: تكافل وكرامة: 17

رابعا: تقييم تجربة مصر وهل من المتوقع معاودة تطبيق الدعم: 18

 

شرعت أكثر من نصف دول العالم منذ ثمانينيات القرن الماضي العمل على رفع الدعم الحكومي عن الطاقة([1])، وبالرغم من مرور ما يُقارب أربعة عقود على بداية تلك المحاولات، إلا أن الكثير من الدول لم تلحق بالركب إلا متأخرًا. كانت مصر من بين تلك الدول. حيث اضطرت في العام 2014 إلى الشروع في رفع الدعم عن البنزين، الذي لطالما شكل عبئًا كبيرًا على الموازنة العامة للدولة. بالطبع أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار المواصلات والنقل بشكل عام، مما انعكس على زيادة أسعار السلع الأساسية.

بعد ذلك قررت الحكومة في نوفمبر 2016 تعويم الجنيه في إطار برنامج إصلاح هيكلي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، أدى تعويم الجنيه والرفع التدريجي لدعم البنزين والكهرباء إلى الكثير من الضغوط التضخمية، بلغت هذه الضغوط ذروتها حين تخطى معدل التضخم 30% في يوليو 2017. كانت الطبقات الفقيرة هي الأكثر معاناةً من هذه الضغوط. فمن المعلوم أن الطبقات الغنية أو المتوسطة حين تواجه ارتفاع في الأسعار فإنها تلجأ إلى البحث عن بدائل محلية للمنتج المستورد، أو تقليل النفقات على السلع الغير أساسية، بينما على العكس من ذلك لا تجد الطبقات الفقيرة ما تنفقه على السلع الأساسية.

بالتزامن مع الإعلان عن خطة رفع الدعم، أعلنت الحكومة أن الهدف الرئيسي هو توجيه الدعم إلى الفقراء. فمن المعلوم أن الفقراء هم أقل المستفيدين من الدعم، لكن ولسوء الحظ فإنهم يكونوا أكثر الناس معاناةً إذا تم رفعه، وذلك على النحو الذي أوردنا. لذا تعمل الكثير من الحكومات على إطلاق برامج دعم للفقراء بالتزامن مع رفع الدعم.

تحاول الورقة تقييم تجربة رفع دعم الطاقة في مصر، في الجزء الأول من الورقة نعرض السلبيات التي تواجهها الدول جراء دعم الطاقة، ولماذا تعمل الحكومات على التخلي عنه، ثم تعرض الورقة بعض الإجراءات الحكومية التي يوصي بها صندوق النقد الدولي والتي من شأنها زيادة احتمالات نجاح خطة رفع الدعم. في الجزء الثاني تذكر الورقة تجربتين تحتويان على دروس مستفادة للسياق المصري، وهما البرازيل وإندونسيا؛ فالبرازيل تعتبر دولة ذات تجربة ناجحة في رفع الدعم، وعلى العكس من ذلك فقد مرت إندونسيا بصعوبات شديدة، كان الكثير منها نتاج سياسات حكومية خاطئة؛ أدت مجتمعة إلى فشل خطة رفع الدعم وتأجيلها عدة مرات.

أخيرا تنتقل الورقة بعد ذلك لعرض التجربة المصرية، حيث تحاول الورقة استكشاف سياسات دعم الفقراء التي تبنتها الحكومة في مصر بالتزامن مع رفع الدعم، وذلك من خلال تتبع الأموال التي وفرتها الحكومة من رفع الدعم، أين تم إنفاقها، وكذلك محاولة القيام بتقييم عام لبرامج الدعم النقدي التي دشنتها الحكومة، ثم محاولة صياغة تقييم مبدئ لتجربة مصر في رفع الدعم.

سياسات رفع الدعم عن الطاقة

أولا: سلبيات الدعم الحكومي للطاقة:

يصاحب وجود دعم حكومي للطاقة الكثير من السلبيات، تستعرض النقاط التالية بعضا منها:

1- ارتفاع التكلفة المادية:

يُحمل دعم الطاقة الموازنة العامة للدولة عبئا كبيرا، كما أنه يشكل وبالأخص في الدول المستوردة للطاقة  ضغطا على ميزان المدفوعات، مما يؤثر على احتياجات الدولة من النقد الأجنبي، كما أنه يدفع الدولة إلى الاستدانة ومن ثم زيادة الدين المحلي. بالإضافة إلىى اختلاف أسعار الطاقة من عام لأخر نتيجة التطورات السياسية والتغييرات في العرض والطلب على الصعيد العالمي، كل ذلك من شأنه جعل الموازنة العامة للدولة عرضة لتغيير كبير في مخصصات الدعم سواء بالزيادة أو النقص.

2- غالب الدعم لا يتوجه إلى الفقراء:

تعد الطبقات الفقيرة والمهمشة هي أقل الطبقات استفادةً من دعم الطاقة. فهم من ناحية قد لا يمتكلون أي أجهزة كهربائية، أو قد يمتلكون قليلا منها، بالإضافة إلى ذلك فليس لديهم سيارات خاصة. وحتى من يعمل في الصناعات اليدوية فإن استهلاكه للكهرباء قليل جدا مقارنةً مع المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة؛ لذلك فمن المعروف عالميا أن غالب دعم الطاقة لا يتوجه إلى الفقراء.

في السياق المصري، أظهرت دراسة لصندوق النقد الدولي حصول الشريحة التي تمثل أفقر 40% من السكان على 3% فقط من دعم البنزين في مصر وذلك في العام 2008.

شكل (1): نسبة دعم الطاقة الذي يستفيد منه أفقر 40% من السكان (الأثر المباشر)

رفع دعم الطاقة في مصر
رفع دعم الطاقة في مصر

المصدر: كارلو سدرالفيتش ورندا صعب ويونس زهار وجورجيا ألبرتين، إصلاح الدعم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: عرض موجز للتقدم في الآونة الأخيرة وتحديات الفترة المقبلة، صندوق النقد الدولي، إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، يوليو 2014، ص: 2، رابط.

 

3- تشجيع الاستهلاك غير الفعال للمحروقات:

يظهر تشجيع الاستهلاك غير الفعال للمحروقات الذي يتسبب فيه الدعم الحكومي للطاقة في أمرين:

أ- زيادة استهلاك الأفراد للطاقة عما يزيد عن احتياجتهم.

ب- تشجيع الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، قليلة التشغيل للعمالة، مما يزيد من مشكلة البطالة([2]).

4- يضعف الحافز على الاستثمار في الطاقة المتجددة.

4- تشجيع تهريب الوقود عبر الحدود للاستفادة من الفروق السعرية([3]).

5- يساهم في تلويث البيئة([4]).

انطلاقا من كل هذه الأسباب وغيرها عملت الكثير من الدول في العقود الماضية على تدشين خطط لرفع دعم الطاقة. وكذلك شجعت الكثير من المؤسسات الدولية على ذلك. إلا أن تجارب الدول في رفع الدعم لم تكن سهلة، حيث اكتنفتها الكثير من المخاطر، بل إن بعضها فشل في الوصول إلى أهدافه، لذلك عملت الكثير من المؤسسات الدولية على تقديم بعض النصائح والتوصيات للدول التي تعتزم الشروع في رفع الدعم. تهدف هذه النصائح بشكل رئيسي إلى تقليل الأثار السلبية المصاحبة لرفع الدعم وكذلك العمل على توجيه الدعم إلى مستحقيه من الفقراء والمهمشين.

 

ثانيا: توصيات المؤسسات الدولية بخصوص الإجراءات المصاحبة لرفع الدعم:

بالرغم من تدني نسبة استفادة الفقراء والمهمشين بدعم الطاقة، إلا أنهم أكثر من يتضرر إذا تم رفعه.

لذلك يكمن الحل الإيجابي لتخطي هذه المشكلة في أن تقوم الحكومة برفع دعم الوقود بشكل تدريجي بالتزامن مع تطبيق سياسات حماية اجتماعية تخفف الضغوط الناتجة عن ارتفاع الأسعار الناتج عن رفع الدعم. وبذلك تكون نجحت الدولة في تخلص الموازنة العامة من أعباء الدعم الموجه إلى غير مستحقيه، وفي نفس الوقت تم تخفيف المعاناة عن الفقراء الناتجة عن رفع الدعم.

أثبتت التجارب أن هذا الحل بالرغم أنه منطقي وبسيط إلا أننا يمكن أن نطلق عليه السهل الممتنع، فالمظاهرات الجماهيرية التي شهدتها كلا من فنزويلا 1989 وأندونيسا 2003 واليمن 2005 والكاميرون 2008 ونيجيريا 2008 وبوليفيا 2010 كلها كانت شاهدة على ردود فعل غاضبة من قرارات رفع الدعم، لم تتحمل الأوضاع الاجتماعية في بعض هذه الدول مثل هذه التظاهرات؛ لذا قررت حكوماتها إلغاء قرارات رفع الدعم.

تشير تجارب الإصلاح القطرية التي اطلع عليها خبراء صندوق النقد الدولي إلى أن العناصر الأساسية التالية من شأنها زيادة احتمالات نجاح إصلاح الدعم:

1- وضع خطة إصلاح شاملة: تشير دراسة الصندوق إلى أن معظم الإصلاحات الناجحة [التي قاموا بدراستها] استندت إلى خطة محكمة واستراتيجية إصلاح واضحة، بجانب ذلك تؤكد أيضا إلى أنه يتعين لوضع خطة إصلاح شاملة أن يتم تحديد أهداف واضحة طويلة الأجل وتقييم أثر الإصلاحات، بجانب التشاور مع الجهات المعنية.

2- تنفيذ استراتيجية اتصالات بعيدة الأثر مدعومة بزيادة الشفافية للحصول على تأييد شعبي لإجراءت رفع الدعم .

3- زيادة أسعار الطاقة على نحو تدريجي ملائم مع إمكانية اختلاف تسلسل هذه الزيادات باختلاف منتجات الطاقة.

4- زيادة كفاءة شركات النفط والكهرباء المملوكة للدولة بهدف تقليص دعم الإنتاج وخفض العبء على المالية العامة.

5- اتخاذ تدابير موجهة للحد من أثر إصلاح الدعم بهدف حماية الفقراء.

6- عدم تسييس تسعير الطاقة لتجنب معاودة تطبيق الدعم([5]).

 

التجارب المقارنة: تجربة البرازيل وإندونيسيا في رفع الدعم

بالانتقال إلى عرض تجارب الدول فيما يخص رفع الدعم، ستتناول الورقة تجربتين، هما: البرازيل وإندونسيا.

1– البرازيل: الشركات أولا ثم الأفراد:

تمثل مسألة دعم الطاقة بالنسبة للبرازيل أهمية كبيرة؛ إذ تدعم الدولة توليد الكهرباء سواء بالطاقة الهيدروليكية أو الحرارية وكذلك الإيثانول وباقي المشتقات البترولية. ويعد تشجيع النشاط الصناعي هو الهدف الرئيسي لوجود هذا الدعم، بجانب وجود بعض الأهداف الاجتماعية والبيئية([6]).

تعتبر تسعينيات القرن الماضي هي البداية الحقيقة لعهد رفع دعم الطاقة في البرازيل، وتبني سياسات التحرر الاقتصادي بشكل عام. ومن المعلوم أن تلك السياسات تنطوي على عدد من الإجراءات منها فتح السوق المحلي للأسواق الخارجية وغيرها. في هذا السياق، أكد دستور العام 1988 خضوع تراخيص التنقيب عن مصادر الطاقة للتنافسية. في وقت لاحق، تم التخلي عن سياسات الإحلال محل الواردات، وبدأت إجراءات تحرير الاقتصاد.

هدفت إجراءات إصلاح دعم الطاقة في التسعينيات بالأساس إلى القضاء على الاحتكار مما سيزيد من كفاءة الأداء الاقتصادي. وكذا يضمن وجود منافسة حرة تخفيض الأسعار؛ وذلك بهدف تقديم خدمة أفضل وبجانب الحفاظ على الطاقة. كما يُسهم تقليل الدعم في زيادة الإيرادات الحكومية.

عملت الحكومة البرازيلية على تخفيض الدعم تدريجيا مستهدفةً بذلك تجنب ظهور معارضة شديدة من الفئات المستفيدة من الدعم. بجانب ذلك فمن أجل بناء قناعة عامة بأهمية رفع الدعم قدمت الحكومة وعود بأن الخصخصة وتحرير الاقتصاد سيسهمان في تخفيض أسعار الطاقة، وكذلك تحسين جودة الخدمة المقدمة. فوجود سوق تسوده التنافسية لاشك سيدفع إلى تحسين جودة الخدمات بجانب تخفيض الأسعار النهائية للسلع.

بالعودة إلى السياق الزمني لرفع الدعم، نجد أن أولى الخطوات كانت في العام 1991، وبدأت فيها الحكومة برفع الدعم عن المنتجات التي يستخدمها عدد قليل من الناس، في حين كانت أخر الخطوات في العام 2001، وهو ما يعني أن عملية التدرج استمرت ما يقارب 11 عامًا. يستعرض الجدول التالي مراحل رفع دعم المواد البترولية في البرازيل خلال الفترة 1991-2001.

جدول (1): مراحل رفع دعم المواد البترولية في البرازيل خلال الفترة 1991-2001.

رفع دعم الطاقة في مصر
رفع دعم الطاقة في مصر

المصدر:

Adilson de Oliveria and Tara Laan, Lessons Learned from Brazil’s Experience with Fossil-Fuel Subsidies and their Reform, Trade, Investment, and Climate Change Series, June 2010, link.

لم يكن رفع الدعم بشكل تدريجي هو فقط ما ميز التجربة البرازيلية، لكن تزامن ذلك مع إصلاحات هيكلية في قطاع الطاقة بجانب سياسات الحماية الاجتماعية، وهذا هو ما تستعرضه الورقة بهدف الاسترشاد به عند دراسة الحالة المصرية، تستعرض النقاط التالية هذه الإصلاحات:

أ- على صعيد الإصلاحات الهيكيلة في قطاع الطاقة:

كان هناك العديد من الإجراءات والقوانين التي هدفت إلى إصلاح قطاع الطاقة في البرازيل بالتزامن مع خطة رفع الدعم، ويرجع الهدف وراء الشروع في هذه الإجراءات إلى الرغبة في إصلاح آليات عمل منظومة دعم الطاقة ككل للتماشي مع التحديات الجديدة التي ستنشأ عن رفع الدعم، كالتغيرات في أسعار الطاقة عالميا وغيرها. يمكن ذكر بعض هذه الإصلاحات من خلال النقاط التالية([7]):

1- إنشاء المجلس القومي لسياسات الطاقة (National Council for Energy Policy) والذي يتولى مهمة وضع سياسات تصينع الطاقة.

2- إنشاء الوكالة الوطنية للبترول (Agencia Nacional do Petróleo) للإشراف على رفع القيود وإعادة الهيكلة، بجانب إدارة مزادات استكشافات الطاقة.

3- التشجيع على زيادة استهلاك الغاز الطبيعي.

4- العمل على زيادة المنافسة في قطاع تصنيع الطاقة.

5- تشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية في توليد الطاقة.

ب- على صعيد اتخاذ تدابير موجهة للحد من أثر  رفع الدعم بهدف حماية الفقراء:

عملت الحكومة على إتخاذ كثير من الإجراءات بالتزامن مع رفع الدعم عن الطاقة بهدف حماية الفقراء، كان منها:

1- إبقاء دعم وقود محطات الطاقة الحرارية في (أمازونيا)، بسبب كونها منطقة ذات حساسية سياسية. استمر هذا الدعم لمدة عشر سنوات، حتى عام 2012.

2- استحداث ضريبة الواردات في عام 2001، وهي ضريبة جديدة على استيراد وتسويق المنتجات البترولية. مع إقرار توجيه عوائد تلك الضريبة لتمويل دعم منتجي الإيثانول وتكاليف نقل الهيدروكربونات، وكذلك دعم الغاز النفطي المُسال الذي تستخدمه الأسر منخفضة الدخل والمشاريع الموجهة لحماية البيئة وإنشاء الطرق.

3- استحداث كوبونات دعم الغاز النفطي المُسال للأسر الفقيرة في عام 2002، واستندت أهلية الاستفادة من هذا النظام إلى اختبار لقياس الحالة المادية للأسر.

4- إطلاق برامج التحويلات النقدية المشروطة([8]): حيث أطلقت البرازيل برنامج  (Bolsa Escola)في بدايات العام 1995 في ضواحي برازيليا وساو باولو. سرعان ما امتدت الفكرة إلى أكثر من مائة بلدية ومدينة. في العام 1996 دشنت الحكومة الفيدرالية برنامج (Child labour Eradication Programme) الذي يتشابه مع(Bolsa Escola)  في أهدافه إلا أن سياساته تستهدف الأطفال أبناء الطبقات الفقيرة.

في عام 2003 تم دمج برنامجي نظام كوبونات الغاز وبرنامج (Bolsa Escola) في برنامج وطني جديد للتحويلات النقدية المشروطة، وهو (Bolsa Familia)، الذي كان أحد الأسباب الرئيسية في القضاء على الفقر، حيث نجحت هذه المشاريع في التقليل من نسب الفقر نجاحا ملحوظا. ففي البرازيل هبطت نسبة المواطنين الأشد فقرًا –أي التي دخلها أقل من دولار وربع في اليوم-  من 10% في العام2000 ، إلى 3.75%  في العام 2012. وعلى نفس المنوال، هبطت نسبة المواطنون تحت خط الفقر -أي أقل من 2 دولار في  اليوم- من 20% إلى 8% لنفس الفترة([9]).

في النهاية يمكن القول أن الديمقراطية والحرية وكذلك تطوير نظام الرفاه الاجتماعية بجانب اللامركزية كانت كلها عوامل أساسية في نجاح مشروع إصلاح دعم الطاقة في البرازيل([10]).

2- إندونيسيا: ولادة متعثرة لمشروع فاشل:

على الجانب الآخر كانت لتجربة إندونيسيا في رفع الدعم عدد من الإخفاقات واضطرت في بعض الأحيان إلى عودة الدعم والإخفاق في تنفيذ إصلاح دائم([11]). بدأت القصة مع الأزمة الآسيوية التي اندلعت في العام 1997، حيث قررت إندونيسيا حينها تحت قيادة سوهارتو التوقيع على اتفاقية مع صندوق النقد الدولي. بالطبع كان من شروط الاتفاقية رفع دعم الطاقة.

وبدلا من سياسة الإلغاء التدريجي التي كانت مقررة أعلنت الحكومة في مايو 1998 رفع سعر الكيروسين والديزل والبترول بنسب 25%، 60%، 71% على الترتيب([12]). كانت تلك الزيادات هي القشة التي قصمت ظهر البعير؛ حيث تبع الإعلان عن رفع الدعم مظاهرات حاشدة جابت جميع أنحاء البلاد. تعاملت الأجهزة الأمنية مع المظاهرات بعنف شديد، أدى ذلك العنف إلى مقتل أربع طلاب بالقناصة في مظاهرة شهدتها ساحات جامعة ترسيكاتي.

اضطر سوهارتو تحت ضغط محلي ودولي إلى تقديم استقالته في 21 مايو 1998، بعدما وصل العدد النهائي للقتلى نتيجة أحداث الشغب إلى 1200 شخصًا([13])، وبذلك يمكننا القول أن أول محاولة لرفع الدعم في العام 1998 قد توجت بالفشل.

عاودت الحكومة الإندونيسية العمل على رفع الدعم، ففي 2000 زادت أسعار البنزين والديزل والكيروسين بنسب 15%، 9%، 25%، على الترتيب، وبالرغم من حدوث الكثير من المظاهرات العنيفة الرافضة لتلك الزيادات إلى أن الزيادات لم تُلغى. بالإضافة إلى ذلك فلم تُفلح تعهدات الحكومة بأن هذه الزيادات ستستخدم في مساعدة الأسر الأقل دخلا في تخفيف وطأة تلك المظاهرات.

شهد عام 2001 زيادة سعر الوقود المستخدم في الصناعات بنسبة 50%، بجانب زيادة أسعار البنزين والديزل والكيروسين الموجه إلى الاستخدام العائلي بنسب 26%، 50%، 14% على الترتيب. كانت هناك محاولة في العام 2003 للربط التلقائي بين الأسعار المحلية والدولية لمنتجات الوقود، غير أنها باءت بالفشل، وأقرت الحكومة زيادة بنسبة 21.9%، غير أن الاعتراضات الشديدة التي واجهتها تلك الزيادة دفعت الحكومة إلى تقليص الزيادة لتصل إلى 6.5% فقط([14]). أصبحت إندونيسيا مستوردا صافيا للنفط للمرة الأولى بحلول العام 2004، تبع ذلك زيادات كبيرة في أسعار الوقود عام 2005، اندلعت المظاهرات الرافضة ولكن بدرجة أقل من تلك التي اندلعت عامي 1998 و2003.

بشكل عام يمكن القول أن ما دفع الشعب الإندونيسي إلى الاعتراض على سياسات رفع الدعم هو وجود اعتقاد أن القرارات الحكومية في ذلك الوقت كانت لخدمة مجموعات المصالح القوية، بجانب تفشي الفساد السياسي وعدم الكفاءة فيما يخص إدارة شئون البلاد. ومما زاد الطين بلة أن الحكومة لم تنفذ أيً من البرامج التعويضية التي أعلنت عنها.

جدير بالذكر أنه مازالت عمليات رفع أسعار الوقود مستمرة في إندونسيا، حيث كان أخرها في العام 2014، وبالرغم من ذلك يعتبر سعر الوقود المُدعم المباع في إندونيسيا هو الأرخص عالميًا([15]).

برامج دعم الفقراء:

لم تخلو التجربة الإندونيسية من بعض البرامج التي استهدفت حماية الفقراء، يمكن رصدها من خلال النقاط التالية:

1- تعزيز دعم الأرز [وهو سلعة مستخدمة على نطاق واسع]، وزاد الإنفاق على الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، وتم تعزيز الدعم الموجه لمنشآت الأعمال الصغيرة، غير أن العديد من البرامج التي تم الإعلان عنها عامي 2002 و2003 لم تُنفذ.

2- إنشاء دعم تعليمي لأطفال موظفي الخدمة المدنية والشرطة والجنود الأقل مرتبة.

3- تدشين مشروع تحويلات نقدية غير مشروطة في عام 2005، نتج عنها تراجع حدة الاحتجاجات في العام نفسه. حيث تم من خلال برنامج (Bantuan Langsun Tunai) توفير دعم لعدد 19.2 مليون أسرة، أي ما يعادل 35% من السكان.

4- العمل على تحويل الأسر ومنشآت الأعمال الصغيرة من استخدام الكيروسين إلى الغاز النفطي المسال. وفرت الحكومة المستلزمات الأساسية مجانا بجانب عمل برنامج توعية بشأن سلامة تكنولوجيا الغاز النفطي المسال. تشير بيانات الحكومة أن البرنامج نجح في تحقيق وفورات كبيرة، ويرجع السبب في ذلك إلى أن الكيروسين كان هو أكثر المنتجات البترولية المدعومة في إندونيسيا.

3- الدروس المستفادة من تجربتيّ البرازيل وإندونيسيا

يمكن صياغة بعض الدروس المستفادة من تجربتيّ كلا من البرازيل وإندونيسيا ما يلي:

1- إدارة حوار مجتمعي قبل الشروع في رفع الدعم له دور محوري في نجاح الخطة.

2- يجب أن تعلن الحكومة بكل شفافية ووضوح عن خطة رفع الدعم بجانب الإجراءات التي تنوي اتخاذها لتقليل الآثار السلبية على الفقراء والمهمشين، مثل برامج التحويلات النقدية المشروطة.

3- توفير مصدر طاقة بديل بأسعار معقولة قد يساعد على تقليل المعارضة. كما أنه يساعد على خفض الدعم بدون تحمل المواطنين أعباء إضافية.

4- السعي لعدم وجود ارتباط بين السياق السياسي ورفع دعم الطاقة (أي عدم ارتباط إلغاء الدعم بنظام سياسي معين).

تقييم تجربة رفع دعم الطاقة في مصر

حرص المسؤولون في مصر خلال النصف الثاني من العام 2013، وفي الربع الأول من العام 2014 على عدم طرح موضوع رفع الدعم في الإعلام. تعد أول محاولات التطرق لموضوع رفع الدعم هو ما أعلنه السيسي في مايو 2014 في لقاء تليفزيوني مع لميس الحديدي وإبراهيم عيسى إبان ترشحه للرئاسة، حيث قال: “الناس بمجرد إن الدعم يتفك عن حاجة أو يترفع عن حاجة نجد الناس.

بعض الناس تتجاوب وتغلّي الأسعار فلو جيت النهاردة اتكلمت عن كهرباء بدون دعم مطلق وغاز بدون دعم مطلق الناس مش هتستحمل، ده عايز الأول أغني الناس. . أغناهم، بدل ما بياخد ألف يبقى بياخد ألف ونص ألفين.. أنا بتكلم على كل مواطن. لما الشغل اللي إحنا بنتكلم فيه ده، المصانع والمزارع يشتغل ويتحرك والناس تاكل عيش، يبقى ممكن أوي أن الدعم ده نتحرك معاه”([16]).

ما أورده السيسي هام جدا، فهو من ناحية يعتبر أول مسؤول مصري يتحدث عن رفع الدعم بشكل واضح في وسائل الإعلام ، ومن ناحية أخرى فإن ما أورده صحيح، فقد عكست الأحداث التي تواكبت مع رفع الدعم صحة هذا الكلام.

ولكن بالرغم من صحة ما أورده السيسي، إلا أنه كان أول من خالفه بعدما نجح في الوصول إلى كرسي الرئاسة. ففي يوليو 2014 بدأ المسؤلون في مصر الحديث عن أهمية رفع الدعم، وأن ذلك من المتوقع أن يوفر للموازنة العامة للدولة ما قيمته 50 مليار جنيه، ستستفيد منها الدولة بتوجيها للفقراء المستحقين من أبناء الشعب المصري.

رفع دعم الطاقة في مصر
رفع دعم الطاقة في مصر

حيث صرح السيسي حينها: “لم يستطع أحد تجربة تحريك الأسعار منذ 1977، وجميع الحكومات لم تستطع اتخاذ القرار، لكن أنا لو قلقت وخفت أبقى مبخافش من ربنا ولن أكون مصريًا حقيقيًا ومستعد أموت عشان خاطرهم”([17]).

من هذه التصريحات يتضح في البداية أمرين، هما:

أولا: أن رأس القيادة السياسية في مصر أخلف وعده فيما يخص الدعم بمجرد وصوله للرئاسة.

ثانيا: الدولة المصرية تعرف كما يعرف الجميع سلبيات رفع الدعم بدون وجود خطة.

بالانتقال إلى تقييم تجربة مصر في رفع الدعم على مدار الفترة 2014-2019 فإنه وبسبب كون موضوع رفع الدعم يحمل الكثير من التفاصيل والتي من المهم دراستها والبحث فيها بتفصيل شديد لمعرفة ما قامت به مصر إزاء هذا الموضوع، لذا سيتم استعراض ما قامت به الحكومة من خلال أربعة محاور، هي:

1- التسلسل الزمني لرفع الدعم.

2- أين ذهبت الأموال التي وفرتها الحكومة من رفع الدعم.

3- تقييم أثر برامج الدعم النقدي للفقراء: تكافل وكرامة.

4- تقييم عام لتجربة مصر وهل من المتوقع معاودة تطبيق الدعم.

أولا: التسلسل الزمني لرفع الدعم في مصر منذ العام 2014:

قررت الحكومة المصرية خلال الفترة الزمنية محل الدراسة 2014-2019 رفع الدعم الموجه للمواد البترولية وكذلك الكهرباء على عدة مراحل، ترصد النقاط التالية تلك المراحل فيما يتعلق بدعم المواد البترولية كالبنزين والسولار([18]):

– عام 2014:

في يونيو 2014، أعلنت الحكومة زيادة قدرها 50% على البنزين والسولار، وقفز سعر لتر بنزين 80 من 90 قرشا إلى 160 قرشا، وبنزين 92 ارتفع سعر اللتر إلى 180 قرشا، كما زاد سعر بنزين 95 حينها إلى 6.25 جنيه.

-عام 2016:

بالتزامن مع قرار تعويم الجنيه أمام الدولار في 4 نوفمبر 2016، ارتفعت أسعار البنزين والسولار في نفس توقيت تعويم الجنيه تماشيا مع حزمة الإجراءات الاقتصادية التي اتخذها البنك المركزي والحكومة وتنفيذ سياسات صندوق النقد الدولي الذي اشترط الموافقة على حصول الحكومة على قرض 12 مليار دولار مقابل زيادة أسعار الوقود وتم تنفيذ ذلك وأصبحت الأسعار على النحو التالي:

بنزين 80 من 1.6 جنيه للتر إلى 2.35 جنيه للتر، بزيادة قدرها 75 قرشا. بنزين 92 من 2.6 جنيه إلى 3.5 جنيهات للتر، بزيادة 90 قرشا. السولار من 1.6 جنيه إلى 2.35 جنيه للتر، بعد زيادة 55 قرشا. غاز السيارات من 1.1 جنيه إلى 1.6 جنيه للتر، بزيادة 50 قرشا.

-عام 2017:

في 29 يونيو 2017، أعلنت الحكومة زيادة أسعار البنزين مجددا ضمن خطة رفع الدعم عن الوقود، لتصبح:

بنزين 80: 3.65 جنيهات للتر بدلا من 235 قرشا. بنزين 92 : 5 جنيهات للتر بدلا من 350 قرشا. السولار: 235 قرشا إلى 3.65 جنيهات. البوتاجاز: من 15 جنيها إلى 30 جنيها للأسطوانة.

-عام 2018:

في يونيو 2018 قررت الحكومة زيادة أسعار البنزين وأسطوانات البوتوجاز على النحو التالي:

زاد سعر بنزين 80 من 3.65 جنيهات إلى 5.5 جنيهات للتر الواحد، أي بنسبة 50%. زاد سعر بنزين 92 من 5 جنيهات إلى 6.75 جنيهات. زاد سعر بنزين 95 من 6.6 جنيهات إلى 7.75 جنيهات. كما ارتفع سعر أسطوانات البوتاجاز المنزلى من 30 جنيها إلى 50 جنيها، بينما ارتفع سعر الأسطوانة التجاري من 60 جنيها إلى 100 جنيه، أي بنسبة 66%

5- يوليو 2019:

في الخامس من يوليو 2019، أقرت الحكومة المصرية زيادات على أسعار البنزين والسولار والبتوجاز على النحو التالي:

بنزين 95: سعر اللتر 9 جنيهات بدلا من 7.75 قرش. بنزين 92: سعر اللتر 8 جنيهات بدلا من 6.75 قرش. بنزين 80: سعر اللتر 6.75 جنيه بدلا من 5.50 قرش. السولار: سعر اللتر 6.75 جنيه بدلا من 5.50 قرش. أسطوانة البوتاجاز: 65 جنيها بدلا من 50 جنيها للاستخدام المنزلي ومن 110 جنيه إلى 130 جنيها للاستخدام التجاري. تمويل السيارات بالغاز 3.5 جنيه للمتر المكعب بدلا من 2.75 جنيه للمتر المكعب.

في اليوم التالي لإقرار تلك الزيادات، أصدر رئيس مجلس الوزراء قرارا، نُشر في الجريدة الرسمية، يقضي بربط سعر البيع المحلي للمنتجات البترولية بمتوسط السعر العالمي لخام برنت وسعر صرف الجنيه مقابل الدولار وتكلفة خدمات التشغيل، مع استثناء البوتاجاز والوقود المستخدم في قطاعي الكهرباء والمخابز([19]).

فيما يتعلق بدعم الكهرباء فقد قامت الحكومة بإقرار ست زيادات متتالية خلال الأعوام 2014-2018، حيث بلغت نسبة الزيادات المتراكمة أكثر من 160% وذلك حتى يوليو 2018. وفي نهاية شهر يوليو 2018 تم إقرار الزيادة السابعة، والتي بلغت في المتوسط 36%. في عام 2019 استكملت الحكومة الخطة برفع جديد لتعريفة الكهرباء بلغت في المتوسط 15%، وفي 2020 تم إقرار زيادة جديدة أيضا بلغت في المتوسط 19.1%، ومن المنتظر أن تطرأ زيادة أخرى حتى عام 2021([20]).

ثانيا: أين ذهبت الأموال التي وفرتها الحكومة من رفع الدعم([21]):

يستعرض هذا العنصر مقدار الأموال التي وفرتها الحكومة من رفع الدعم، وأين تم إنفاقها، وذلك من خلال التتبع التفصيلي لبند الدعم في موازنات الفترة 2014/ 2015 إلى 2019/ 2020.

أعلنت مصر كما أوردنا سابقًا عن بدء خطة رفع الدعم في العام 2014. يستعرض الجدول التالي إجمالي بند الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية في الموازنة العامة للدولة خلال الفترة من العام المالي 2014/ 2015 إلى 2019/ 2020، ويعد الهدف الرئيسي من ذلك الاستعراض هو تكوين صورة كلية عن كيف تطور البند ككل خلال تلك الفترة، قبل الشروع في التفاصيل، التي يتضح من خلالها أين تم إنفاق الأموال التي وفرتها الحكومة من تقليل الدعم الموجهة للمواد البترولية والكهرباء.

جدول (2): مخصصات بند إجمالي الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية في الموازنة العامة للدولة خلال الفترة 2014/ 2015 – 2019/ 2020.

العام المالي إجمالي الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية النسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي
2014/ 2015 (فعلي) 198,570 8.2%
2015/ 2016 (فعلي) 201,024 7.4%
2016/ 2017 (فعلي) 276,719 8%
2017/ 2018 (فعلي) 329,379 7.4%
2018/ 2019 (متوقع) 328,291 6%
2019/ 2020 (متوقع) 327,699 5.9%

ملاحظات:

1- الأرقام الواردة في الجدول بالمليون جنيه.

2- تم حساب الناتج المحلي الإجمالي المتوقع للعام 2019/ 2020 عن طريق إضافة 6% إلى الناتج المحلي للعام السابق له، حيث تتوقع وزارة المالية معدل نمو 6% في العام المالي 2019/ 2020.

المصدر: عمل الباحث، اعتمادًا على على الأرقام الواردة في البيان المالي عن مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2018/ 2019 ، ص: 78، وكذلك الأرقام الواردة في البيان المالي عن مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2019/ 2020، ص: 82، بالإضافة إلى تقرير متابعة الأداء المالي عن الفترة يوليو-مارس 2018/ 2019 وذلك لمعرفة الناتج المحلي الإجمالي للأعوام 2017/ 2018 و 2018/ 2019.

يتضح من الجدول السابق انخفاض نسبة مخصصات بند الدعم والمنح والمزايا الإجتماعية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة محل الدراسة.

كانت تلك الفترة –أي الفترة التي واكبت رفع دعم الطاقة وتعويم الجنيه- فترة صعبة على شريحة الفقراء، تخطت فيها معدلات التضخم 30%، وذلك في يوليو 2017، وبالرغم من ذلك على مدار الأعوام تقلص الدعم، والمستهدف به في الأساس الطبقات الفقيرة، ومن ذلك يمكن القول أن الحكومة حين كانت تتحدث عن أنها تستهدف توجيه الدعم إلى مستحقيه، كان ذلك مجرد ذر للرماد في العيون.

بالإضافة إلى ذلك، كان من بين مبررات الحكومة لرفع الدعم هو كونه يمثل عبئا ثقيلا على الموازنة العامة للدولة، يدفعها إلى الاستدانة، وأن ذلك سيؤثر على الأجيال القادمة. وفي الحقيقية لو كانت الحكومة قللت مصروفات الدعم كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي وفي نفس الوقت نجحت في ملف إدارة ديونها، لكان ذلك نجاحا كبيرا، لكن ذلك لم يحدث أيضا.

ففي الوقت الذي تحدث فيه السيسي في لقاءه مع لميس الحديدي وإبراهيم عيسى في معرض تسويقه لنفسه كمرشح للرئاسة، ذكر السيسي في ذلك الوقت أن الدين العام الإجمالي تجاوز 1.7 تريليون جنيه، وأن ذلك الوضع لا يمكن له الاستمرار؛ لما يمثله من خطر على الأجيال القادمة. في ديسمبر 2018 وصل الدين العام المحلي 4.1 تريليون جنيه، وفي يونيو 2019 سجل الدين العام الخارجي 96.6 مليار جنيه. فأين ذهبت تلك الأموال التي وفرتها الحكومة بتقليص الإنفاق على الدعم.

تناقش الورقة أيضا هذه الأموال  المُقلصة كيف تم إنفاقها، وذلك من خلال الجدول التالي:

البيان 2014/ 2015

(فعلي)

2015/ 2016

(فعلي)

2016/ 2017

(فعلي)

2017/ 2018

(فعلي)

2018/ 2019

(متوقع)

2019/ 2020

(متوقع)

قيمة نسبة قيمة نسبة قيمة نسبة قيمة نسبة قيمة نسبة قيمة نسبة
الكهرباء والمواد البترولية 97,545 49.1% 79,528 39.6% 142,590 51.5% 149,388 45.4% 105,075 32% 56,963 17.4%
السلع التموينية 39,395 19.8% 42,738 21.3% 47,535 17.2% 80,500 24.4% 86,175 26.2% 89,000 27.2%
دعم المزارعين 1,272 0.6% 1,743 0.87% 41 0.1% 733 0.22% 1,065 0.32% 565 0.17%
المياه والأدوية وألبان الأطفال 1,053 0.53% 1,730 0.86% 1,507 0.54% 1,700 0.51% 2,500 0.76% 2,500 0.76%
الدعم والمنح للخدمات الإجتماعية 50,395 25.4% 64,999 32.3% 76,569 27.7% 88,336 26.8% 107,427 32.7% 128,947 39.3%
متطلبات إضافية وإحتياطيات 0 0% 0 0% 0 0% 0 0% 11,800 3.6% 32,200 9.8%
إجمالي الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية 198,570 100% 201,024 100% 276,719 100% 329,379 100% 328,291 100% 327,699 100%

جدول (3): مخصصات المنضوية تحت بند الدعم والمنح والمزايا الاجماعية في الموازنة العامة للدولة خلال الفترة 2014/ 2015 – 2019/ 2020.

ملاحظات:

1- الأرقام الواردة في الجدول بالمليون جنيه.

2- النسب الواردة في الجدول هي نسب كل بند إلى إجمالي مخصصات بند الدعم والمنح والمزايا الإجتماعية.

3- لم يورد الجدول كل المخصصات المنضوية تحت بند (إجمالي الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية) في الموازنة، لكن ما لم يتم ذكره نسبته قليلة؛ لا تتعدى 6% في أي عام من الأعوام. يرجع السبب في ذلك إلى أنها إجمالا نسبة قليلة مقسمة على بنود كثيرة، لا تمثل مجتمعة قدر كبير.

المصدر: أحمد ذكر الله، الاقتصاد المصري بعد 2013 السياسات والتحديات، المعهد المصري للدراسات، دراسات اقتصادية، 2 أغسطس 2019، ص: 102، رابط.

يستعرض الجدول مخصصات كلا من بنود الكهرباء والمواد البترولية، وكذلك بند السلع التموينية، بجانب دعم المزارعين، ومجموعي بندي المياه والأودية وألبان الأطفال، وفي النهاية بند الدعم والمنح للخدمات الاجتماعية.

بتحليل الأرقام الواردة في الجدول يمكن الوصول إلى بعض الملاحظات، ويأتي بيانها كما يلي:

1- على مدار 6 أعوام مالية هي فترة الدراسة، تقلص دعم الكهرباء والمواد البترولية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي؛ ففي حين مثلا هذان البندان فقط ما نسبته 49.1% من إجمالي بند الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية وذلك في العام المالي 2014/ 2015، انخفضت هذه النسبة إلى 17.4% في الموازنة العامة المتوقعة للعام المالي 2019/ 2020.

2- بلغ الإنفاق على الكهرباء والمواد البترولية ذروته في العام 2017/ 2018 حيث كان 149 مليار جنيه، في حين انخفض ذلك الرقم في موازنة العام 2019/ 2020 ليصل إلى 56.9 مليار جنيه، وهو ما يعني أن الحكومة قلصت الإنفاق بما قيمته 92.1 مليار جنيه.

3- بلغ الإنفاق على مخصص إجمالي الدعم والمنح للخدمات الاجتماعية 50,395 مليون جنيه في العام المالي 2014/ 2015، في حين خصصت الحكومة لنفس البند 128,947 مليون جنيه في مشروع موازنة العام المالي 2019/ 2020، وهو ما يعني زيادة مخصصات ذلك البند للفترة محل الدراسة بقيمة 78.552 مليون جنيه.

رفع دعم الطاقة في مصر
رفع دعم الطاقة في مصر

4- زاد مخصص بند السلع التموينية من 39,4 مليار جنيه في العام المالي 2014/ 2015، تستهدف الحكومة أن يبلغ 89 مليار جنيه في العام المالي 2019/ 2020، الفارق هنا زيادة قدرها 49.6 مليار جنيه. لكن هذه الزيادة الاسمية التهمها التضخم.

5- بند متطلبات إضافية واحتياطيات، على مدار أربع أعوام مالية، أي خلال الفترة من 2014/ 2015 إلى 2017/ 2018، لم تكن هناك له أي مخصصات، ثم وبدون أي مقدمات بلغت مخصصاته في العام المالي 2018/ 2019 ما قيمته 11,8 مليار جنيه، ثم ارتفعت في العام المالي التالي، أي 2019/ 2020 فبلغت 32,2 مليار جنيه.

يُضاف إليهم أيضا بنديّ تم إدراجهم في مخصصات الدعم والمنح للخدمات الاجتماعية وهما: بند مزايا اجتماعية أخرى وبند المنح والمساعدات واللذان بلغت مخصصاتهما 2 و13.8 مليار جنيه على الترتيب. ليصبح إجمالي البنود المخصصة تحت بند أخرى أو احتياطيات 48 مليار جنيه في مشروع موازنة العام المالي 2019/ 2020. وهنا يكمن السؤال: أين تذهب هذه الأموال؟

يُلاحظ مما سبق أن الحكومة ممثلة في وزارة المالية نجحت في تخفيض بعض بنود الدعم خلال الفترة محل الدراسة، ولكن أين ذهبت هذه الأموال، هذا ما يحاول العنصر التالي بحثه.

ثالثا: تقييم أثر برامج الدعم النقدي للفقراء: تكافل وكرامة([22]):

أعلنت مصر في العام 2015 برنامجيّ تكافل وكرامة، وهما برنامجان لتقديم دعم نقدي للفقراء ضمن شروط محددة. اكتسب البرنامجان شهرة واسعة بمجرد الإعلان عنهما. حاليا يُقدر عدد المستفيدين من برنامج تكافل 1,704,391 مواطن، في حين بلغ تعداد مستفيدين برنامج كرامة 275,662 مواطن([23]).

كما أشارت الورقة من قبل فقد أطلقت البرازيل برنامج (Bolsa Escola)في بدايات العام 1995. في العام 2003 تم الدمج بين برنامجي نظام كوبونات الغاز وبرنامج (Bolsa Escola) في برنامج وطني جديد للتحويلات النقدية المشروطة، وهو (Bolsa Familia)، الذي كان أحد الأسباب الرئيسية في القضاء على الفقر، وقد رصدت الورقة بعض من تلك النجاحات.

فيما يخص السياق المصري، فقد أوصت الكثير من الدراسات مصر بالتحول نحو الدعم النقدي المشروط بدلا من الدعم السلعي([24]). تأخرت مصر في تنفيذ تلك التوصيات، كما أن التجربة المصرية كانت شاهدة على الكثير من الإخفاقات، سواءا من ناحية طريقة تصميم البرنامج أو مقدار الدعم الموجه من خلاله، ويمكن صياغة أبرز الانتقادات من خلال النقاط التالية:

1- احتوت معايير الإقصاء من الدعم بعضا من الشروط لا تعكس انتفاء الفقر، منها: امتلاك جرار زراعى أو سيارة اجرة أو نقل أو سيارة ملاكى موديل صنع بعد عام 2000؛ وبذلك قد يتم استبعاد بعض الفئات الفقيرة المستحقة للإعانة؛ لأن امتلاك جرار زراعي أو سيارة لا يعتبر دليل غنى في حد ذاته، حيث يعتبر بالنسبة لكثير من الأسر مصدر الدخل الوحيد، بالإضافة إلى أن الأسر الفقيرة غالبًا ما تقوم بشرائه عن طريق الاقتراض أو الجمعيات.

2- هيكلة المشروع لم تأخذ في الاعتبار التباين في معدلات الفقر بين المحافظات المختلفة، فلم يتم توجيه برامج خاصة لتلك المحافظات صاحبة معدلات الفقر المرتفعة.

3- ضعف تمويل المشروع عمومًا؛ يظهر ذلك في قلة المقابل المادي المُقدم، حيث أن مبلغ المعاش المذكور للأسرة الواحدة وهو 325 جنيه، أي ما يعادل 18.5 دولار، أي ما يساوي 0.6 دولار يوميًا، في حين أن خط الفقر الدولي هو 1.75 دولار يوميًا.

4- أظهرت دراسة قام بها المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية أن 2.5% فقط من المستفيدين بالمشروع على دراية بمشروطية تلقي المساعدات؛ وهو ما يعني تكاسل موظفين وزارة التضامن في أداء دورهم.

تجدر الإشارة إلى أنه بعد مرور أربع سنوات على بدء تطبيق البرنامج، تجاهلت الحكومة هذه الانتقادات وغيرها، وقررت تخفيض عدد الأولاد المستفيدين بالدعم إلى اثنين، بدلا من ثلاثة وذلك مع بداية عام 2019([25])، وهذا ما يعكس قلة الدعم الموجه للبرنامج، ورغبة الحكومة في تقليل النفقات الموجهة للأسر المستفيدة.

رابعا: تقييم تجربة مصر وهل من المتوقع معاودة تطبيق الدعم:

ارتبط دعم البترول بخطة الإصلاح الاقتصادي وتعويم الجنيه وصندوق النقد الدولي، وارتبط كل ذلك بالسيسي ونظامه. وذلك على الرغم من أن الحكومة شرعت في رفع الدعم قبل الإعلان عن قرض صندوق النقد، لكن الحديث هنا عن مجموعة من الإجراءات الاقتصادية القاسية اتخذتها الحكومة على مدار خمس سنوات.

يرى الباحث من كل ما تقدم أن خطة رفع الدعم أنجزتها الدولة المصرية بأسوء سيناريو أو نموذج يمكن أن تتم به، ولو كان هناك متنفس من الحرية في مصر لخرج الناس إلى الشوارع للاعتراض على ما تم، لكن وجود القمع الشديد لأي صوت معارض منع ذلك. لكن لا يستطيع أحد أن يعرف إلى متى سيستمر السيسي في الحكم، الجميع يدرك وجود حالة من السخط على السيسي بسبب القمع؛ تتجلى بعض مظاهر هذا السخط في خروج العديد من المظاهرات، حيث شهد شهر سبتمبر من العام الحالي (2020) خروج العديد منها،

وأيضا كان سبتمبر الماضي شاهدة على نفس تلك الحالة. وبغض النظر عن من قام بالدعوة إلى تلك المظاهرات أو مآلاتها، فليس هذا هو موضوع الورقة، لكن ما نستطيع أن نتوقف عنده، ويفيدنا في السياق الذي نتحدث فيه هو أن تلك المظاهرات تنم عن سخط عام يعيشه المجتمع المصري، وتتجلى أيضا حالة السخط تلك في مظاهر أخرى عديدة، منها زيادة رغبة المصريين في الهجرة إلى الخارج([26])، وتزداد تلك الرغبة بلاشك بين فئات الشباب.

في نفس الوقت فإن عملية رفع الدعم صاحبتها أخطاء فادحة، معدلات الفقر تتزايد في مصر، هل سيتحمل المصريون ذلك، بالطبع لا، خطة رفع الدعم نجحت شكليا في أن الحكومة قررت عمل لجنة تقوم بتسعير المنتجات البترولية كل ثلاثة أشهر لكن ما دونها من أهداف فشلت فيه. في حالة حدوث تحول ديمقراطي في مصر سواء بثورة أو بغيره قد تكون أحد المطالب الشعبية الرئيسية هي إعادة الدعم على الطاقة، مع العلم أن ذلك لن يعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه. في النهاية يظل ما تدفعه الشعوب تحت وطأة القهر والظلم أكثر بكثير من التضحيات الواجب تقديمها للتخلص منه.

المراجع:

([1]) Erkan Erdogdu, The political economy of electricity market liberalization: a cross-country approach, The Energy Journal, 35(3), 91-128, link.

([2]) انظر.. رضا عيسى وراجية الجرزاوي، دعم الطاقة لغير المستحقين، استمرار دعم الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة: استزاف للموارد ومحاباة للأغنياء، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، سبتمبر 2015، رابط.

([3]) بينيديكت كليمنتس وآخرون، إصلاح دعم الطاقة: الدروس المستفادة والانعكاسات، صندوق النقد الدولي، ص:  17، يناير 2013، رابط.

([4])  المصدر السابق، ص: 1.

([5]) المصدر السابق، ص:27-36.

([6]) Adilson de Oliveria and Tara Laan, Lessons Learned from Brazil’s Experience with Fossil-Fuel Subsidies and their Reform, Trade, Investment, and Climate Change Series, June 2010, link.

([7]) Baker Institute, Critical issues in Brazil energy sector, March 2004, link.

([8]) برامج التحويلات النقدية المشروطة هي برامج تقوم من خلالها الحكومات بتقديم دعم نقدي للأسر الفقيرة مع وجود شروط معينة لاستمرار الحصول على هذا الدعم. وقد يكون من ضمن تلك الشروط ذهاب أطفال تلك الأسر إلى المدارس، و/أو وذهاب جميع أفراد الأسرة إلى العيادات الصحية بشكل دوري.

([9]) Judit Ricz, TOWARDS A NEW MODEL OF STATE-LED DEVELOPMENT IN BRAZIL ?, Centre for Economic and Regional Studies of the Hungarian Academy of Sciences, Institute of World Economics, October 2015, link.

([10]) Lewis, Deregulating and Privatizing Brazil’s Oil and Gas Sector, The James A. Baker III Institute for Public Policy of Rice University, 2004, link.

([11]) بينيديكت كليمنتس وآخرون، دراسات حالة حول إصلاح دعم الطاقة: الدروس المستفادة والانعكاسات، 28 يناير 2013، صندوق النقد الدولي، ص: 28، رابط.

([12]) Christopher Beaton and Lucky Lontoh, Lessons Learned from Indonesia’s Attempts to Reform Fossil-Fuel Subsidies, Trade, Investment, and Climate Change Series, October 2010, link.

([13]) Reuters, TIMELINE-Key events in life of Indonesia’s Suharto, January 2008, link.

([14]) Robert Bacon and Masami Kojima, Coping with Higher Oil Prices, World Bank Group, Energy Sector Management Assistance  Programme, June 2006, link.

([15]) BBC News, Indonesia raises fuel prices by more than 30%, November 2014, link.

([16]) #مصر_تنتخب_الرئيس | الحوار الكامل | للمشير السيسي في أول ظهور تليفزيوني له، تاريخ الوصول: مايو 2019، رابط.

([17]) بالفيديو.. الرئيس: إذا لم أتخذ قرار رفع الدعم “أبقى مبخافش من ربنا”، اليوم السابع، يوليو 2014، رابط.

([18]) تعرّف على الزيادات في أسعار الوقود خلال 5 سنوات، المصري اليوم، 5 يوليو 2019، رابط.

([19]) عبد التواب بركات، كيف نجح السيسي في إلغاء دعم الوقود؟، العربي الجديد، 23 يوليو 2019، رابط.

([20]) سلمى حسين، فاتورة الأخطاء الأربعة: الخطة المصرية-الصندوقية لرفع أسعار الطاقة، المبادرة المصرية للحقوق والشخصية، الطعبة الأولى/سبتمبر 2020، ص: 10، رابط.

([21]) اعتمد هذا العنصر بشكل رئيسي على دراسة قام بها الباحث، ونشرها المعهد المصري للدراسات.

يُنظر:

محمد أحمد عباس، الدعم وسؤال العدالة الاجتماعية في مصر، المعهد المصري للدراسات، 19 أغسطس 2019، رابط.

([22]) اعتمد هذا العنصر بشكل رئيسي على دراسة قام بها الباحث، ونشرها المعهد المصري للدراسات.

يُنظر:

محمد أحمد عباس، تقييم برامج الدعم النقدي في مصر تكافل وكرامة، المعهد المصري للدراسات، 19 يونيو 2019، رابط.

([23])  الموقع الرسمي لوزارة التضامن الاجتماعي جمهورية مصر العربية، الصفحة الرئيسية، حقائق وأرقام تاريخ الوصول: مايو 2019، رابط.

([24])  انظر.. أمنية حلمي، كفاءة وعدالة سياسة الدعم في مصر، المعهد المصري للدراسات الاقتصادية، ورقة عمل رقم (105)، نوفمبر 2005، رابط.

([25])  بعد قصره على طفلين.. ما شروط الحصول على «دعم نقدي»؟، رنا عبد الصادق، جريدة التحرير الجديد، يناير 2019، رابط.

([26])  كشف استطلاع رأي حديث صادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات معنون بالمؤشر العربي عن أن 71% من سكان وادي النيل يرغبون في الهجرة، في حين أن 26% فقط، لا يرغبون.
المصدر:

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، المؤشر العربي 2019/2020 في نقاط، أكتوبر 2020، ص: 9، رابط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى