عن حلمنا للتحفيز السياسي
عن حلمنا للتحفيز السياسي
لو كنت مصريا عمره خمسة عشر عاما أو عشرين، هل تظن أنك تعيسُ الحظ لأنك ولدتَ في بيئة سياسية عقيمة؟
لا أحزاب أو حركات فاعلة في المجتمع تنشأ من معاناة الناس وحاجاتهم، ولا برلمان يُنتخب بإرادة حرة ليكون القانون والتشريع والرقابة نابعين من إرادة الناس لا إرادة أخرى.
هل تتمنى لو عشتَ في عصر آخر؟
لست وحدك فمعك أصحاب الثلاثين والأربعين والخمسين والستين لم ينعموا بحرية ولا بيئة سياسية حرة إلا بعد فبراير ٢٠١١ حتى يونيو ٢٠١٣، حيث كانت مصر تحاول ولادة تجربة الحرية والتنافس السياسي والاحتكام للشعب وإرادته واختياره.
المتاح لنا جميعا هو صوت واحد ولون واحد وتنسيق أمني واحد وإن تعددت قنواته.
ماذا لو؟
ماذا لو كانت من ضمن قضايا الرأي العام التي تُنصب لها البرامج والتعليقات ويُجلب لها الخبراء “موارد مصر”، ماذا لو كان يُطرح بقوة سؤال كيف لدولة عظيمة مثل بلادنا أن تعتمد في ثلثي مواردها الأساسية تقريبا على الضرائب، وليس على الإنتاج من زراعة وصناعة وتجارة واستثمار؟
ألن يجلب لنا هذا السؤال أسئلة أخرى أكثر أهمية مثل: أين قطاع الزراعة ونحن من أقدم الدول الزراعية في التاريخ، وأين قطاع الصناعة وأين التجارة وأين الاستثمار؟
ألن يتردد في النقاش أننا متخلفون في التكنولوجيا عن دول كثيرة تقدمت حولنا حتى في مجال الزراعة، وأننا بحاجة لتطوير التكنولوجيا وتوطينها في مصر، وبالتأكيد لن يمر النقاش دون السؤال عن التعليم والبحث العلمي ولماذا هو على هذا الحال الذي لا يساهم في نهضة البلاد علميا وتكنولوجيا، ألن يكون ألمنا جميعا تزايد نسب الفقر والفقر الشديد، وضعف الأجور وحدّها الأدنى وزيادة البطالة إلخ.
ألن يكون هناك أسى على أطباء مصر الأكفاء حول العالم بجانب معاناة المصريين داخل مصر من تدني الخدمات الصحية وتفشي الأمراض المختلفة داخل الأسر المصرية.
إجابة وإجابات أخرى
وسط هذه الأسئلة ستكون إجابة (ليس في الإمكان أبدع مما كان) حاضرة، و(أنّ هذا هو أعظم ما قدمته مصر من سنين)، و(أننا فقراء جدا)، لكن بالتأكيد في مناخ الحرية لن تكون هذه هي الإجابة الوحيدة أمام الناس، فهناك كثيرون من خبراء مصريين يعيشون داخل مصر وخارجها سيكون لهم رأي آخر، وهنا سيكون الحديث عن أي تجربة سياسية لنهضة دول أخرى ككوريا الجنوبية مثلا أو تركيا أو حتى الصين، انتقادا ضمنيا للنظام الحالي لكنه انتقاد ضمني مقبول ومحمود في هذه الحالة.
سيكون النقاش حول التصورات المختلفة لإدارة الدولة حاضرا، وهل سنبقى دولة ريعية تابعة تقترض وتقترض وتقترض، ويُنهك الناس من الضرائب والأسعار وضعف الخدمات وضعف قطاعات الدولة الحيوية التي لا يمكنها الوفاء بآمال النهضة والتنمية والتقدم.
تريد السلطة الحالية أن تجعل حقّنا في الحلم بحياة أفضل أقرب للخيال، فلا يجب أن نحلم بمساءلة الرئيس أو تغييره أو حتى الحكومة أو وزير في الحكومة أو الجهات الأمنية التي تُعطي الموافقة على كل كبيرة وصغيرة، وتسبق مشورتها مشورة الخبراء والعلماء والكفاءات والمخلصين.
نظام له سلطات واسعة
إن النظام السياسي الذي يحكم مصر حاليا يمتلك سلطات كبيرة جدا وواسعة، يمتلك جهازا إداريا قد يبلغ عدد العاملين فيه أكثر من ستة ملايين، ويمتلك التحكم في قطاع الشرطة وأن يقمع به من يشاء ويحركه كيفما شاء، وربما تجاوز عدد من فيه نصف المليون، إضافة إلى المؤسسة العسكرية التي يقترب المنتسبون لها من المليون، وكل ذلك يوظف زورا في خدمة النظام الحالي تحت مسمى خدمة الدولة.
كما أن النظام الحالي مهيمن هيمنة كاملة على قطاع الصحافة والإعلام من خلال شركات تابعة للأجهزة الأمنية، وتمتلك الأجهزة الأمنية قدرات كبيرة وواسعة على التنصت الواسع على الناس والتتبع والملاحقة والتهديد دون رقيب أو حسيب، إضافة لدور هذه الأجهزة وتدخلها في مختلف قطاعات الدولة.
هذا النظام السياسي الذي يسمي نفسه الدولة (وهو مجرد نظام يدير الدولة)، لديه قرار واضح برفض الحريات السياسية ورفض الاهتمام بالمشاريع السياسية ورفض التنافس من أجل مصالح الناس والاحتكام لإرادة الناس والصندوق، ولذلك سيسمي المعارضة خيانة، والتفكير في التغيير هدما للدولة، والرأي الآخر عمالة.
وبسبب مناخ التضييق لا يمكن أن يولد في هذه الأجواء ساسة وأحزاب وتيارات سياسية فعالة، رغم وجود كفاءات علمية مصرية في جميع أنحاء العالم ربما يتجاوزون ثمانين ألف مصري في مختلف المجالات.
وسط كل ذلك يأتي أملنا في التحفيز السياسي الذي نواجه به أفكار العجز والإحباط والاستسلام، فلا يمكننا أن ننتظر حرية تسقط علينا من السماء، ولا يمكننا أن نتحدث عن التغيير ونحن غير مهيئين له.
لكن كيف يمكن خلق أمل سياسي في بيئة التضييق والتخوين؟
هذا هو سؤالنا وهمنا الأساسي، وعملية تغيير إدارة بلادنا للأفضل هي عملية تفاعل بين:
الراغبين في التغيير، وقدرتهم على التأثير، وفهمهم للواقع بدقة وقدرتهم على التشخيص ووضع الحلول الممكنة -لا المتخيلة الوهمية-، والقدرة على التأثير الإيجابي بين المصريين وداخل جدار النظام وخارج البلاد.
نعم هناك كثيرون راغبون في حياة أفضل، وهناك أصوات ومنصات إعلامية وتحركات من ساسة وناشطين، لكنها جميعا ما زالت غير محفزة لتحقيق أمنية التغيير للأفضل.
التحفيز الذي نرجوه يبدأ أولا من دعاة التغيير وليس من النظام والسلطة القمعية أو من البيئة الإقليمية والدولية، نعم نبدأ بأنفسنا أولا، بفهمنا وتصوراتنا وتخصصاتنا ومؤسساتنا وعلاقتنا بالناس، وما نمتلكه من قدرة على التعبير والتأثير والتطوير المستمر؛ للتأثير في النظام داخليا وخارجيا.
التحفيز السياسي هو عملية تطوير مستمرة للقدرات والتصورات والأساليب، وعملية تعاون فعالة بين الراغبين في التغيير.
إن حلمنا في التحفيز السياسي له خارطة طريق:
- تبدأ من تطوير دعاة التغيير -شباب وشيوخ وأفراد ومؤسسات- وتطوير قدراتهم وفهمهم وخبراتهم ومهارتهم ونظرتهم السياسية.
- وكذلك تطوير المشاريع السياسية العملية وأساليب الحركة والتأثير.
- وتطوير التعاون والتشبيك الواسع والعمل الجماعي بأشكال مختلفة ومتنوعة، بشكل ملهم وجاذب وناجح.
وأملنا أن نساهم مع غيرنا في بناء حالة شعبية تيارية واسعة، تكون أكثر تماسكا وتأثيرا على الاستبداد، وأكثر إيمانا وقدرة على الانتقال لمرحلة أفضل تعبر عن إرادة الناس وهمومهم وتطلعاتهم، وتستفيد من المخلصين والمتخصصين في إدارة أفضل لبلادنا.