خير مصر

الصندوق الرئاسي الغامض

الصندوق الرئاسي الغامض

في 1 يوليو 2014 أعلنت رئاسة الجمهورية عن تدشين الصندوق الرئاسي الغامض “تحيا مصر” تفعيلًا للمبادرة التي سبق وأعلنها الرئيس بإنشاء صندوق لدعم الإقتصاد، ليصدر قرار رئيس الجمهورية رقم 139 لسنة 2014، ثم تعديله بالقرار رقم 84 لسنة 2015. ووفقا للقرار فإن تبعية الصندوق لرئاسة الوزراء، ويتمتع برعاية خاصة من الرئيس وفقا للمادة الثانية من القرار، ومنح القرار رئيس الجمهورية الحق في تحديد أساليب الإشراف على الصندوق وإدارته وتصريف شئونه المالية والإدارية. كما ينص القرار على تشكيل مجلس أمناء يضم 14 شخصا من بينهم بابا الأقباط وشيخ الأزهر ووزراء الصناعة والتخطيط والاستثمار والعدل والمالية والبنك المركزي، ووفقا للأهداف المعلنة فإن الصندوق يعمل بمثابة هيئة معاونة للمشروعات التنموية والخدمية، وفي سبيل ذلك يعفى من أي أنواع من الضرائب.

الصندوق الرئاسي الغامض
الصندوق الرئاسي الغامض

على الموقع الرسمي للصندوق منشورات عن مبادرات في قطاعات مختلفة، مثل دعم الغذاء وسداد ديون الغارمين، ومبادرة أطفال بلا مأوى، وتطوير مساكن عمرانية بالعشوائيات، ودعم الصحة بأجهزة غسيل كلوي وعلاج فيروس سي، وحضانات الأطفال، كما تشمل بيانا الموقع مبادرات تمكين اقتصادي مثل توفير سيارات أجرة لتشجيع الشباب على العمل، ومشروعات صغيرة للمرأة المعيلة. ومكافحة السحابة السوداء.

وفي يونيو الماضي قال تامر عبد الفتاح، المدير التنفيذى لصندوق تحيا مصر، أنه على مدار خمس سنوات لعب الصندوق دورا محوريا كمعاون لأجهزة الدولة وقاطرة للعمل المجتمعي عبر تدعيم شراكاته مع الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص، لإحداث نقلة نوعية في مستوى آداء الخدمات المقدمة للأسر الأولى بالرعاية والمشاركة الفاعلة في المشروعات التنموية والقضاء على المشكلات التي يعاني منها المجتمع.

يبدو من الوهلة الأولى أن الصندوق بمثابة جمعية خيرية “رئاسية” لكن بالنظر إلى حجم الغموض الذي يحيط بالأموال الواردة والصادرة وبمقياس الشفافية، فإن الصندوق تحيط به شكوكا كثيرة.

موارد الصندوق

وفقا لتقرير العربي الجديد فإن إيرادات تصالح البناء التي تقوم بها المحافظات وتقدر بمليارات الجنيهات، إضافة للاقتطاعات المقررة من الرواتب والمعاشات كلها تم توجيهها إلى صندوق تحيا مصر، حيث يتم استقطاع 1% من راتب العاملين في الدولة، وعددهم أكثر من 5 ملايين موظف بداية من يوليو الماضي، إضافة إلى نصف في المائة على أصحاب المعاشات الذين يقدر عددهم بـ 9 ملايين بزعم المساهمة في مواجهة كوارث فيروس “كورونا” لمدة عام، فضلاً على العشرات من التبرعات بصفة يومية من رجال الأعمال وغيرهم.

من آن لآخر، وعلى مدار أكثر من 5 سنوات، يطلب السيسي تبرعات من المصريين لصالح الصندوق، مثل دعوته الكثيرة للجدل “صبح على مصر بجنيه”، ودعوته للحصول على بقايا الأموال “الفكة” من البنوك والمؤسسات لصالح الصندوق.

كما خاطب السيسي عام 2015 رجال الأعمال، مطالبا إياهم بالدفع لصالح الصندوق الذي يشرف عليه بنفسه، وأثناء تدشينه مشروع محور قناة السويس خاطب السيسي رجال الأعمال قائلا “هتدفعوا يعني هتدفعوا، باقول أهو هتدفع يعني هتدفع، خلي بالك يعني إيه صندوق أنا أشرف عليه؟”.

الصندوق الرئاسي الغامض
الصندوق الرئاسي الغامض

وبالفعل فإن العديد من المشاهير ورجال الأعمال والمؤسسات تبرعت للصندوق، في ظل أجواء من الشائعات عن أنها تبرعات “جبرية”، مثل تبرعات طائفة “البهرة” بثلاثين مليون جنيه، لتجنب الدعوات التي كانت تطالب بحظر نشاطها في البلاد. كما تبرع الداعية الشهير محمد جبريل بثلاثة ملايين جنيه للصندوق بعد ساعات من توقيفه في المطار، حيث قضى سنوات عدة بالخارج إثر منعه من الإمامة والخطابة في المساجد المصرية بتهمة استخدام الدعاء في الأمور السياسية، كما استقبل السيسي نجم كرة القدم محمد صلاح، عقب تبرعه بخمسة ملايين جنيه ، لكن صلاح كشف في لقاء تلفزيوني أنه لم يكن يعلم سبب اللقاء.

وفي عام 2016 أثارت فتوى لدار الإفتاء المصرية بوجوب إخراج الزكاة لصالح الصندوق، جدلا كبيرا، حيث قال مستشار مفتي الجمهورية مجدي عاشور، عبر برنامج تلفزيوني: “لدينا فتوى رسمية من دار الإفتاء -تعود لمنتصف عام 2016- بإخراج أموال الزكاة وزكاة الفطر إلى صندوق تحيا مصر، لأن هذا الصندوق مخصص للوقوف بجانب الفقراء والمساكين والمحتاجين” حيب تعبيره.

الشفافية الغائبة

في الوقت نفسه لا ينشر الصندوق أي بيانات عن حجم التبرعات والأموال به وأوجه صرفها، ليترك لاباب مفتوحا للتوقعات وتتبع التصريحات المسربة، ففي 2016، كشف السيسي أن الأموال التي تلقاها الصندوق بلغت 4.7 مليارات جنيه، وفي 2018 صرّح محمد عشماوي، المدير التنفيذي للصندوق، قبل أيام من تقديم استقالته أن التبرعات التي تلقاها الصندوق وصلت إلى 10 مليارات جنيه. لكن السيسي في نفس العام قال خلال فعاليات مؤتمر «حكاية وطن»، أن في صندوق «تحيا مصر»7 مليارات جنيه فقط بفوائدها، خلال 3 أعوام.

وفي عام 2019 قال السيسي خلال احتفالية للصندوق إنه تلقى وعدا من الأمين العام للصندوق محمد أمين بوضع مئتي مليار جنيه فيه، دون أن يوضح الكيفية التي سيتم بها ذلك.

في عام 2018 قال تقرير استقصائي لموقع إضاءات أنه قام بحساب إجمالي المصروفات التي أعلن عنها الصندوق في مشروعاته وبلغت أقل من 3 مليارات جنيه، أي أقل من نصف الأرقام المعلنة من السيسي نفسه !

ووفقا لمعلومات خاصة لجريدة “العربي الجديد” فإن الجهاز المركزي للمحاسبات، تلقي تعليمات صريحة من رئاسة الجمهورية، بعدم مباشرة أي دور رقابي على أموال وأنشطة صندوق “تحيا مصر” سواء على المستوى المحاسبي أو القانوني، كاستثناء وحيد من بين كل الجهات التي تدير المال العام، والتي ينص الدستور المصري على خضوعها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.

الصندوق الرئاسي الغامض
الصندوق الرئاسي الغامض

التقرير يشير إلى أن اعتقال وسجن المستشار هشام جنينه رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات كان بسبب مخاطبته الجهات المسؤولة بضرورة خضوع الصندوق لرقابة وإشراف الجهاز. مصادر قالت أن هيئة الشؤون المالية التابعة لوزارة الدفاع أكدت في خطاب لجنينة حينها إشرافها وحدها على الصندوق. بما يعني أن الصندوق يمثل الحديقة الخلفية لاقتصاد السيسي الموازي دون أي رقابة أو مساءلة.

غموض يكتنف مصير أموال صندوق “تحيا مصر” بسبب السرية التي تضربها السلطات المصرية على أعماله، وعلى الرغم من مرور نحو ست سنوات منذ إعلان السيسي عن إنشائه في 2014، إلا أنه لم يصدر عنه أي تقارير أو بيانات تتحدث عن حجم ما وصله من أموال أو طريقة إنفاقها.

ليبقى السؤال قائما: كم دخل الصندوق وكم خرج منها؟ وهل يمول السيسي من أموال الصندوق مشروعات أخرى غير معلنة؟ و من أي شيئ يخشى السيسي من الشفافية؟

لكن في جميع الأحوال يجب أن يكف السيسي عن تمويل أجندته من جيوب المواطنين، أو كما قالت كريستين لاغارد، المدير العام لصندوق النقد الدولي في خطابها أمام السيسي 2015: “لا يمكن الاعتماد الدائم على موارد المواطنين، لتمويل المشروعات” .

الاستحواذ الخليجي على مصر (1)

الاستحواذ الخليجي على مصر (2)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى