حياة الناس

الأمن القومي: للدولة أم للنظام (1)

الأمن القومي: للدولة أم للنظام

بعد انقلاب يوليو 2013 ، بدا استخدام كلمة الأمن القومي : للدولة أم للنظام من قبل النظام المصري هو الأسهل والأكثر تداولا عند الحديث عن أي مبررات لقرارت سيادية أو أمنية، يرى البعض أن السيسي ومؤسسته الأمنية يستخدم المفهوم “كفزّاعة” لاستنفار وعي المواطنين وحشدهم تجاه “أعداء الدولة” مبررا القرارات الحرجة التي سيعاني منها الشعب المصري في المستقبل؛ خاصة المتعلقة بسيادة الدولة على حدودها وممتلكاتها وأصولها، لكنها في الوقت ذاته هي واجهة الدعاية الرسمية التي يحاول النظام ترسيخها بأن التحدي الأبرز الذي تواجهه مصر هو تحدٍ داخلي.

كان عدلي منصور قد أصدر قرارا جمهوريا في 24 فبراير 2014 بالقانون رقم 19 لعام 2014 لإنشاء “مجلس الأمن القومي” بحيث ينعقد مرة كل ثلاثة شهور أو كلما دعت الضرورة. وأنه في حالة إعلان الحرب أو تعرض البلاد لكوارث أو أزمات يعتبر المجلس منعقدًا بصفة مستمرة.

وبأن تكون مداولات المجلس سرية، وتصدر قراراته بأغلبية أصوات الأعضاء الحاضرين. وقد اختص المجلس حسب المادة الرابعة من قرار إنشائه بعدة مسائل مثل: إقرار استراتيجيات تحقيق أمن البلاد بعد إعدادها بالاتفاق مع الجهات المعنية بالدولة، وإقرار الأهداف السياسية التخصصية في كافة المجالات لوزارات الدولة المختلفة، وإقرار خطط تنمية وتطوير مقدرات وإمكانيات القوى الشاملة للدولة المقدمة من الحكومة، واتخاذ القرارات التي تهدف إلى حماية هوية الدولة وسيادتها واستقلالها ومكانتها الإقليمية والدولية، واستعراض تقارير الوزراء والمختصين بالدولة الخاصة بتحديد مصادر العدائيات والمخاطر والتهديدات، ومواجهة العدائيات الداخلية وحالات الكوارث والأزمات القومية بشتى أنواعها، واتخاذ ما يلزم لاحتوائها وإزالة آثارها، وتوجيه السياسات الخارجية والتعاون الدولي في دوائر اهتمام الأمن القومي المصري.

وفي 6 نوفمبر 2014 أصدر السيسي قرارا بتعيين فايزة أبو النجا مستشارة لرئيس الجمهورية لشؤون الأمن القومي، وتعيين السفير خالد البقلي أمينا عاما لمجلس الأمن القومي. ثم في ديسمبر 2015 أصدر قرارا جمهوريا بتعديل وتنظيم الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي.

اجتمع مجلس الأمن القومي برئاسة السيسي لأول مرة في 16 نوفمبر 2015. وحسب بيان الاجتماع فقد نوقشت فيه العديدُ من القضايا وعلى رأسها الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب على الصعيدين الداخلي والدولي. وجهود احتواء الشباب بما يحصنهم ضد أي أفكار مغلوطة وبما يحول دون استقطابهم من قِبَل الجماعات المتطرفة. كما ناقش الاجتماع تطورات الموقف بالنسبة لمشروع إنشاء المحطة النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية في منطقة الضبعة، وعددًا من المشروعات القومية التي تنفذها الدولة في عدد من المجالات والقطاعات الحيوية من أجل تحقيق خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية[1].

ثم أصدر السيسي في إبريل 2017 قرارا بتشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف في مصر، بحيث يتولى صياغة وتنفيذ استراتيجية متكاملة قانونية وإعلامية ودينية وتعليمية.

التحديات الداخلية: أولوية خطاب النظام

خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة في 28 إبريل 2018 قال السيسي أن “التحدي اللي موجود قدام مصر، هو تماسك الدولة المصرية.. إحنا، التحدي مش خارجي، التحدي مش خارجي، التحدي داخلي، إزاي تاكلوا بعضكوا.. إزاي تموتوا بعضكوا.. إزاي تكسروا بعضكوا.. اصحوا، وانتبهوا!”، وأكد خلال رده على تساؤلات المواطنين التي وُجِّهت إليه خلال مبادرة “اسأل الرئيس” في شهر يناير 2018 على أن هدفه خلال السنوات الأربعة الأولى من حكمه تمثل في تثبيت الدولة عبر امتصاص حالة الثورة، وحالة الحركة الزائدة التي تواجدت عند المصريين؛ مؤكدا أن “ما حدث من سبع سنوات لن يتكرر مجددا في مصر”.. يشير إلى ثورة يناير 2011

الأمن القومي: للدولة أم للنظام
الأمن القومي: للدولة أم للنظام

يرى السيسي أن مصر تخوض معركة ضخمة ضد الإرهاب المدعوم من أطراف خارجية، معركة تماثل حروب مصر السابقة، وقد صرح في 2018 بأن قوات الجيش التي تشارك في الحرب بسيناء ضد من أسماهم (خوارج العصر) يبلغ تعدادها 41 كتيبة تضم قرابة 25 ألف عنصر[2].

في 27 أكتوبر 2014 صدر مرسوم القضاء العسكري والذي اعتبر أن جميع الهجمات على المنشآت العامة ستعتبر بمثابة هجمات على المؤسسات العسكرية، وبالتالي ستُنظر قضائيا أمام المحاكم العسكرية. وفي24 فبراير 2015 صدر “قانون الكيانات الإرهابية” والذي منح النيابة العامة سلطة إصدار قائمة بالكيانات الإرهابية والإرهابيين، وكذلك منح الهيئات الحكومية المختصة سلطة حل أي كيان إرهابي، وتجميد أنشطته، وإغلاق جميع المباني التابعة له، وحظر الاجتماعات والعضوية، ووقف أنشطته المالية، وتجميد ممتلكاته وأصوله، وحظر جميع الشعارات المرتبطة به، وحرمان الفرد أو التنظيم من الحقوق السياسية بشكل مؤقت. كما أقر قانون مكافحة الإرهاب الصادر عام 2015، توسيع عدد الجرائم المصنفة كجرائم إرهابية، وفرض عقوبات جديدة. وانطلقت أجهزة الدولة بناءً على هذه التشريعات لاتخاذ العديد من الإجراءات القمعية مثل:

  • الإدراج في قوائم الإرهاب. وقد أدرجت أولى القوائم في يناير 2017، وضمت 1538 شخصا. وشملت الإجراءات المتخذة ضدهم: المنع من السفر، وتجميد الممتلكات (ثم مصادرتها لاحقا)، والحرمان من الحقوق السياسية، وإلغاء جوازات السفر. كما أعلنت وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، أن عدد المدرجين على قوائم الإرهاب داخل مصر حتى تاريخ 3 يناير 2020 بلغ نحو6305 شخصا، بينما بلغ عدد الجماعات والتنظيمات المدرجة على قائمة الكيانات الإرهابية 8 كيانات.
  • فرض حالة الطوارئ في عموم البلاد. حيث أصدر السيسي قرارا بفرض حالة الطوارئ عبر أنحاء مصر في إبريل 2017 لمدة ثلاثة أشهر عقب حوادث استهداف عدد من الكنائس في الإسكندرية وطنطا من قبل عناصر تنظيم الدولة الإسلامية، ويجري تجديد حالة الطوارئ دوريا منذ ذلك الحين.
  • تخصيص دوائر لقضايا الإرهاب. إذ جرى تخصيص 9 دوائر لقضايا الإرهاب ثم خُفِّض عددها في نوفمبر 2019 إلى 4 دوائر فقط. كما أعيد إنشاء أقسام الطوارئ بمحاكم أمن الدولة مع إعلان حالة الطوارئ في منتصف عام 2017، وهي محاكم لا يجوز الطعن على أحكامها، والتي تكون نهائية وباتَّة دون العرض على محكمة النقض، وهو ما يجعلها أكثر فائدة للنظام من دوائر الإرهاب.
  • إصدار أحكام إعدام جماعية، فعلى سبيل المثال أصدرت محكمة بالمنيا في 24 مارس 2014 حكما بإعدام 529 شخصا بتهمة مهاجمة مركز شرطة مطاي منتصف عام 2013. ثم أصدرت نفس المحكمة في 28 إبريل حكما بالإعدام على 683 شخصا بتهمة قتل ضابط شرطة في أغسطس 2013. وقد نفذ النظام بالفعل 42 حكما بالإعدام ضد معارضين منذ عام 2014 حتى فبراير (2019).

التحديات الخارجية للأمن القومي

منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013 وتشهد مصر سلسلة من التنازلات الخارجية الحادة، مثل التفريط في أصول الدولة السيادية أو الفشل في التعامل مع التهديدات الحدودية.

في 16 يناير2017، حكم القضاء الإداري بتأييد بطلان اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، التي يتم بموجبها نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر إلى المملكة، ورفض طعن الحكومة المصرية على ذلك. لكن مجلس النواب المصري وافق في 14 يونيو على الاتفاقية، في ظل تصاعد غضب شعبي كبير وتظاهر آلاف المصريين وسط القاهرة قبل أن تفرقهم الشرطة بالقوة. في النهاية صادق عبد الفتاح السيسي في 21 يونيو 2017 على الاتفاقية، وهو ما جعلها تدخل حيز التنفيذ.[3]

الأمن القومي: للدولة أم للنظام
الأمن القومي: للدولة أم للنظام

وفي مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” في فبراير 2018، كتب ديفيد كيركباتريك[4] أن إسرائيل نفّذت مائة ضربة على الأقل ضد عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء منذ عام 2015. ليسلط الضوء على معضلة جديدة وهي سبب خرق مصر لاتفاقية كامب ديفيد والتنازل عن سماء سيناء لصالح اسرائيل.

وفي مارس 2019 أعادت السودان شكواها الاحتجاجية[5] أمام مجلس الأمن على التنقيب المصري عن النفط والغاز في البحر الأحمر، في مثلث حلايب وشلاتين المتنازع عليه بين الدولتين، وتقع منطقة حلايب وشلاتين على الحدود الرسمية بين مصر والسودان، وتبلغ مساحتها 20 ألف كيلو متر مربع على ساحل البحر الأحمر. سنويا، يجدد السودان شكواه أمام مجلس الأمن الدولي بشأن المثلث، داعيا إلى تحكيم دولي يتطلب موافقة الدولتين، لكن مصر ترفض، وتؤكد سيادتها على المثلث.

 وفي منتصف يوليو 2020 أعلن وزير المياه الإثيوبي[6]؛ بدء ملء سد النهضة، بعد تعثر الجولة الأخيرة من المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان؛ التي توسط فيها الاتحاد الأفريقي. ومن المتوقع في هذه المرحلة أن تخزن إثيوبيا 4.8 مليار متر مكعب خلف السد، في البحيرة التي يفترض أن تسع 74 مليار متر مكعب حال اكتمال السد. كان آبي أحمد قد صرح في جلسة برلمانية أثيوبية بأنه “لا توجد قوة يمكن أن تمنع إثيوبيا من بناء السد، ولو كانت هناك حاجة إلى الحرب يمكننا تجهيز الملايين (من المحاربين) ولو أطلق البعض صاروخاً يمكن الرد عليه بالقنابل، ولكن هذا ليس في مصلحتنا جميعاً”. لتبدأ رحلة مصر في خسارة النيل الأزرق وما يتبعه من خسائر في الثروة السمكية وحصة المياه الزراعية ومياه الشرب وغيرها.

الأمن القومي: للدولة أم للنظام
الأمن القومي: للدولة أم للنظام

ومؤخرا.. وقعت مصر مع اليونان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، وهي الاتفاقية التي يرى المختصين أنها تنازلا كبيرا من جانب مصر تحت مبرر العداء لتركيا، فهي على الأقل سوف تحرم مصر من التحول إلى منصة لتصدير الغاز من شرق المتوسط إلى أوروبا. كما أنها ستحرم مصر من ما يقرب من 10 آلاف كيلومتر مربع من مياهها الاقتصادية الخالصة لصالحة اليونان.[7]

بين حشد الدولة للوعي الجمعي تجاه التحديات الداخلية مستخدمة فزّاعة الأمن القومي، والإخفاق في إدارة التحديات الخارجية.. تظل أسئلة كثيرة حائرة؛ عن الثمن الذي حصل عليه النظام المصري مقابل هذه التنازلات المتكررة، أم هو إخفاق إجراءاتي بحت؟ أو ربما مجرد ضغوطات خارجية على النظام لا يستطيع الفكاك منها !

 

مستقبل الخصوصية الإلكترونية في مصر

وعود الحكومة للشعب.. أين تذهب أموال المواطنين؟


[1] https://cutt.ly/ffukY1i

[2] https://cutt.ly/CfukFVG

[3] https://cutt.ly/HfujGzk

[4] https://cutt.ly/JfujZcj

[5] https://cutt.ly/Lfuj0k6

[6] https://cutt.ly/pfujN55

[7] https://cutt.ly/6fukLHG

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى