الانتخابات البرلمانية المصرية 2020
تجرى الانتخابات البرلمانية المصرية 2020 هذه الأيام على مرحلتين بأكتوبر ونوفمبر، وسط حالة من التراشق الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي بين المرشحين، وتعتبر هذه الانتخابات هي الثانية منذ إقرار دستور 2014 بعد شهور قليلة من انقلاب يوليو2013، حيث أجريت الانتخابات البرلمانية الأولى عام 2015، وجاءت نسبة المشاركة فيها 28% فقط، بينما جاءت نسبة المشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ قبل شهر 14%، وشهدت هذه الانتخابات أعلى نسبة أصوات باطلة بنسبة 15%.
وفقا لإحصاءات لجنة الانتخابات فإن أكثر من 63 مليون مواطن مصري له حق الانتخاب، لاختيار 568 نائبا من أصل 596 عضوا في مجلس النواب، بينما يحق للسيسي تعيين باقي النواب.
ويتنافس أكثر من 4 آلاف مرشح على 284 مقعدا من أصل 568 بالنظام الفردي في الانتخابات البرلمانية المصرية 2020، في حين تتنافس 8 قوائم على 284 مقعدا بنظام القائمة الحزبية، وتتنافس قائمتان رئيسيتان: “من أجل مصر” و”نداء مصر”، وأغلبهما من الأحزاب المقربة للسلطة، غير أن الأولى هي الأوفر حظاً. ويتوقع لحزب مستقبل وطن السيطرة على هذه الانتخابات، بعدما فاز بنحو 70 بالمئة من مقاعد مجلس الشيوخ، الذي جرت انتخاباته خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وانتقد الدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية، والعضو البرلماني السابق، في حديثه لجريدة الشرق الأوسط، اعتماد قوانين الانتخابات قبل أشهر قليلة فقط من العملية الانتخابية، قائلاً: “ضيق الوقت، واتساع الدوائر في النظام الفردي، أمور تتيح فقط لأصحاب رؤوس الأموال المنافسة، بينما يصعب التجهيز لأي حملة انتخابية حقيقة، الإعداد للمنافسة يحتاج لأكثر من سنة”.
ظواهر من الزمن البائد
خلال الأيام الماضية تداول ناشطون مقاطع وتسريبات تتهم مرشحين مشهورين بشراء أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية المصرية 2020، وفي تسريب مفاجئ للصحفي المقرب للنظام عبدالرحيم علي؛ قال إنه يواجه أكبر حملة من مستخدمي المال السياسي جرت في تاريخ مصر الحديث، حيث يتنافس عبدالرحيم مع كل من رجل الأعمال محمد أبو العينين وأحمد مرتضى منصور في دائرة الدقي بالقاهرة، وكلاهما أيضا مقربين من النظام. وفور إعلان فوز أبو العينين، ترددت أنباء عن مغادرة عبدالرحيم إلى باريس.
الأمر ذاته تكرر مع طارق جميل سعيد، وهو نجل محام شهير دافع عن رموز نظام مبارك، حيث خرج في مقطع مصور قائلا إن مقاعد مجلس النواب والشيوخ “لمن يدفع أكثر”، منتقدا ما سماه “صمت المصريين على ضياع حقوقهم”.، لكن سعيد حذف المقطع المصور فور انتشاره بعدما تداولته قنوات معارضة باعتباره مقرب من النظام وينتقد أداءه السياسي، الأمر الذي دفع سعيد إلى نشر مقطعا آخر ينتقد فيه جماعة الإخوان المسلمين والقنوات المعارضة للسيسي، ورغم ذلك ألقي القبض عليه بعد ساعات وقررت نيابة أمن الدولة العليا حبسه 15 يوما على ذمة التحقيق بتهمة “إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي”.
وفي نفس السياق، قالت وسائل الإعلام المصرية أن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على 6 من أفراد حملة النائبة السابقة مي محمود، بتهمة توزيع أموال على ناخبين ليصوتوا لها، بعد وقت قصير من انتقاداتها تلك الظاهرة.
ودفع انتشار شراء الأصوات والاستخدام الواسع للمال السياسي قائمة “نداء مصر” إلى الاستغاثة بالسيسي، وتقديم بلاغ للهيئة الوطنية للانتخابات، وقال بيان صادر عن القائمة: “يؤسفنا ويؤلمنا أن نرفع لسيادتكم أمرا خطيرا؛ هناك توجه فج وتلاعب غير مسبوق في لجان كثيرة، وتزوير لصالح القائمة الوطنية، وتسويد البطاقات الانتخابية على القوائم، وتواطؤ ملحوظ داخل اللجان، وتوجيهات صريحة للتصويت لصالح القائمة الوطنية”.، وعدّد البيان المخالفات؛ مثل سحب هواتف المرشحين بهدف حذف تسجيلات توثق المخالفات، واحتجاز بعضهم داخل اللجان، فضلا عن طرد بعض مندوبي القائمة، ومنعهم من مزاولة حقهم الذي كفله الدستور والقانون.
وتداول المغردون على تويتر وفيس بوك مقاطع مصورة لعمليات توزيع أموال، أبرزها مقطع يبرز شكوى بعض الناخبين من عدم حصولهم على المبلغ المتفق عليه.
انتخابات بلا معارضة
رغم تنافس قائمتان مواليتان للنظام بنسبة كبيرة في ، توجهت الأنظار للمقاعد الفردية بحثا عن مرشحين معارضين، لكنها خلت من أي أسماء تبدي ولو قدرا يسيرا من المعارضة للنظام الحالي، فيما دخل هيثم الحريري، وهو معارض يساري، جولة إعادة في محافظة الإسكندرية. في الوقت الذي تروج فيه صحف المحلية بمصر عن وجود أحزاب “معارضة” تشارك بالانتخابات مثل حزب التجمع، والعيش والحرية، والتحالف الشعبي الاشتراكي، والمصري الديمقراطي الاجتماعي.
بدأت رحلة النظام المصري في إحباط أي محاولة لقمع الأصوات المختلفة منذ أكثر من عام، عندما ألقت القبض على ما سمي بأعضاء “تحالف الأمل” والذي كان يخطط لخوض انتخابات 2020 بقائمة موحدة تضم رموزا من الناشطين السياسيين، واتهمت الداخلية المصرية في بيان لها هذه الشخصيات بالتدبير لمخطط إرهابي بالتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين لإسقاط مؤسسات الدولة، فيما نفى بيان لـ “الحركة المدنية الديمقراطية” التي ينتمي إليها أغلب من طالتهم الاعتقالات؛ أي تعاون بينها وبين جماعة الإخوان المسلمين.
ضمت قائمة الاعتقالات، النائب السابق زياد العليمي وحسام مؤنس مدير حملة المرشح السابق للرئاسة حمدين صباحي، والخبير الاقتصادي عمر الشنيطي، وهشام فؤاد، الصحافي والناشط العمّالي العضو في حركة الاشتراكيين الثوريين.
وقالت منظمة العفو الدولية في بيان لها إن موجة الاعتقالات الأخيرة “وحملة القمع لا تدع مجالاً للشك في رؤية السلطات للحياة السياسية في مصر، وهي أنها سجن كبير دون السماح بأي معارضة أو منتقدين أو صحافة مستقلة”.
وفي سبتمبر الماضي بثت مسؤولة سابقة في حركة “تمرد” سلسلة من الفيديوهات التي تهاجم العقيد أحمد شعبان مدير مكتب رئيس جهاز المخابرات العامة عباس كامل، واتهمت دعاء – شعبان – بالمسؤولية عن تدمير الحياة السياسية في مصر، على غرار ما حدث من فشل في ملف الإعلام، مشيرة إلى أن “تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين” -المسؤول عنها شعبان- هي السبب في عزوف المصريين عن المشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ الشهر الماضي، مما تسبب في إحراج النظام. ووصفت دعاء العقيد شعبان بأنه “الرئيس التنفيذي لمصر”، موجهة اللوم للرئيس السيسي لعدم إنصافها، كما نشرت محادثات نصية مع أحمد شعبان تكشف كيف يتم التحكم في وسائل الإعلام، وتتحدث عن ترتيبات الانتخابات البرلمانية مع وعد بمقعد لدعاء.
انتخابات برلمانية عادت بالأذهان إلى عهد مبارك حيث حشد الناخبين مقابل أموال ووجبات، إلا أن هذه المرة انفردت الانتخابات بتسريبات وفضائح من مقربين من النظام، وكواليس الأجهزة الأمنية التي تسيطر على تريب المشهد السياسي منذ يوليو 2013.