التكافل في مصر (1)
التكافل في مصر
في أبريل الماضي حث شيخ الأزهر في رسالة مصورة عبر صفحته الرسمية، المصريين على التكافل في مصر لمواجهة وباء كورونا: “يجب على القادرين وميسوري الحال الإسراعُ في الإنفاق على إخوانهم المتضررين جراءَ هذا الوباء؛ لأننا جميعًا إخوة، وكل منا مسؤول عن الآخر”، مؤكِّدًا على أن هذا الإنفاقَ فرض واجب، وحَتم لازم على القادرين، خاصة في مثل هذه الجوائح”.
على الفور انطلقت مجموعة عبر الفيسبوك باسم “إحنا في ضهرك: للمصريين والعرب خارج الجمهورية”، لتقديم يد العون لهؤلاء من المصريين بالخارج العالقين في الحجر الصحي أو الغير قادرين على علاج المرض، من خلال فتح المنازل لاستقبال العالقين، وإمدادهم بالأموال والدعم اللازم لتجاوز تلك الأزمة. الاسم نفسه حملته مبادرة “إحنا في ضهرك: لكبار السن في مصر”، أسستها شبكة “كايرو إنجيلز” بهدف إدارة منصة صديقة لكبار السن والفئات الضعيفة، لمساعدتهم في التعامل مع حاجاتهم اليومية الضرورية كالتسوق وإنجاز المهام الضرورية.
وأنشأ شباب الأطباء مجموعة باسم “كوفيد- 19 – تطوع للدعم والتصدي لفيروس كورونا في مصر”، وعرفوا أنفسهم بأنّهم “مجموعة من متطوعين مصريين متخصصين في مجالات طب الأزمات، والصحة العامة، والبيئة، وطب الأسرة، والصحة النفسية، والتنمية المجتمعية، والتواصل. وسنعمل سوياً لخلق وحدة دعم لكوفيد- 19 في مصر”، داعين الراغبين إلى ملء بياناتهم للمساعدة في توفير الأجهزة الطبية لمرضى الكورونا،
فيما أسس شباب آخرون مجموعة “إحنا نقدر” على “فيسبوك”. للمساهمة في تعقيم الشوارع والمباني، وإمداد العمال والباعة بوسائل وقائية للوقاية من الفيروس، والدعوة للبقاء في المنازل لكسر منحنى الإصابات المتزايد بشكل يومي. بينما استهدفت مبادرة “إحنا معاكم” توصيل الوجبات الغذائية للأطقم الطبية في مستشفيات العزل، بدأت المبادرة عندما أعلن أحد الطباخين المشهورين في مصر عبر حسابه على إنستجرام، حاجته لمجموعة من المتطوعين للمساعدة في طهي الوجبات الصحية يوميا، وتوصيلها إلى المستشفيات، لا سيما بعد أن أكد كثير من أعضاء الأطقم الطبية عن رفض بعض المطاعم وعمال التوصيل عن إرسال الوجبات الغذائية للأطباء في مستشفيات العزل خشية التعرض للعدوى.
وكانت قناة CBC قد نشرت صورا حية لمجموعات شبابية في محافظات مختلفة أثناء تقديمهم المساعدات بشتى أنواعها لمواجهة وباء كورونا، وتظهر ف الصور مجموعة من الشباب ينظمون عملية التباعد الاجتماعي أمام البنوك والصرافات، وأخرى لتعقيم السيارات في الطرق، ومجموعات ثالثة لتعقيم المساجد، ورابعة لتوزيع الكمامات على المواطنين في الشوارع.
التكافل عبر الجمعيات الخيرية
تشير البيانات إلى أن الجمعيات الأهلية والمؤسسات الخيرية فى مصر تبلغ نحو 48 ألفاً و300 جمعية, منها 29 ألف جمعية نشطة والعدد الأكبر منها فى القاهرة والجيزة والإسكندرية، وهى موجودة ومنتشرة فى كافة محافظات مصر بما فى ذلك المناطق الحدودية، كما يتركز أكبر عدد من الجمعيات فى المحافظات الحضرية، حيث يوجد بالقاهرة 8899 جمعية، والجيزة نحو 4683 جمعية.
وتكشف البيانات أن تبرعات المصريين عبر الهاتف المحمول 24.6 مليون جنيه خلال العام. حيث أرسل مستخدمى الهاتف المحمول فى مصر حوالى 4.9 مليون رسالة نصية للتبرع إلى الجمعيات الخيرية خلاب 2018 فقط، وذهبت 77% من التبرعات لقطاع الصحة.
وفي مايو الماضي انطلق مبادرة مستقلة لإنشاء منصة تجمع الجمعيات الخيرية النشطة في مصر تحت اسم “نتساهم“، لتسهيل استعراض أنشطة الجمعيات وتوفير سبيل سريع للتبرعات. وقال يحيي ندا، مؤسس المشروع أنهم يواجهون صعوبة في إقناع المنظمات والجمعيات الخيرية بأهمية التحول الرقمي والتنمية المجتمعية، ودوره في خفض معدلات الفقر، مضيفا أن “نتساهم” تهدف في المستقبل إلى التوسع في نيجيريا وغينيا وكينيا، وتحويل العمل الخيري في أفريقيا إلى الرقمية.
واستجابة لحملات التكافل، أطلقت مؤسسة مصر الخير الاجتماعية مبادرة لتقديم سلة غذاء، إلى جانب أدوات طبية متكاملة بمستشفيات العزل، كما وقّعت المؤسسة بروتوكول تعاون، بغرض تزويد مستشفيات الحجر الصحي في مصر بـ10 أجهزة تنفس اصطناعي، بهدف تعزيز قدراتها، وإمدادها بالأجهزة الطبية اللازمة، وتدعيم المنظومة الصحية في مصر، لمجابهة خطر تفشي فيروس كورونا.
وأعلنت مرسال في السياق ذاته، عن إنشاء غرفة تنسيق مشترك مع وزارة الصحة، لتوفير سرير للمريض بالكورونا، خاصة مع الضغط على القطاع الصحي الرسمي في مصر وارتفاع تكلفة المستشفيات الخاصة.
وفي يونيو الماضي قالت هبة راشد مؤسِسة (مرسال) في تصريحات صحفية أن “المؤسسة ساهمت حتى الآن في علاج مرضى من أربعين جنسية مختلفة، فمرسال لا ترفض علاج أي مريض مهما كانت حالته خطيرة أو معاناته مزمنة أو حالته متأخرة، الشرط الوحيد أن المريض يكون غير قادر ماديًا وأنه لا يخضع لمنظومة التأمين الصحي أو العلاج على نفقة الدولة، وإن كان يخضع للعلاج المجاني في الدولة ولكن وجوده في قائمة انتظار طويلة قد يؤثر على حالته وحياته ففي ذلك الموقف مرسال ترحب به وتسعى لتقديم الخدمات الطبية اللازمة له مجانًا”.
وفي محافظة الشرقية كانت جمعية “مستشفى 25 يناير” التي نشأت في 2011، قد جهزت كل غرفعها لاستقبال الفقراء المصابين بالكورونا، ووفقا لتصريحات مؤسسها محمد الجارحي فإن المستشفى تعمل على سحب العينات من المنزل للحالات المشتبه بها، وكذلك إجراء أشعة مقطعية وعادية على الصدر، بالإضافة إلى توفير شنطة الأدوية الأساسية والمقدمة للحالات المُصابة والمُشتبه بها بإشراف أطباء حميات،
وتعقيم منازل المصابين والمخالطين بالتنسيق مع الصحة، وإنشاء وحدة رعاية مركزة بمستشفى ههيا المركزي وهو أحد مستشفيات العزل بمحافظة الشرقية، وتوفير طقم الحماية الطبية للعاملين في قطاع الصحة وقريبا للعاملين بالإسعاف على مستوى الشرقية، وتنظيم المتطوعين للتجمعات مثل صرف المعاشات وحملات التطعيم.
تكمن آثار قيمة التكافل بين المواطنين المصريين في بساطتها وعفويتها وسرعة أدائها حين تظهر الحاجة لها، وكثير منها ينطلق من خلفية دينية، كما جاء في الحديث الشريف: “ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع، وهو يعلم”.
ورغم التطور التكنولوجي والتنظيمي المتصاعد الذي حوّل الكثير من الجهود الفردية إلى جمعيات ومؤسسات خيرية، فإن مظاهر التكافل الفردية لم تختفي من مصر، ومع كل أزمة مجتمعية أو اجتماعية.. تظهر معادن المصريين مرة أخرى إلى السطح لتخبر الجميع بأن الخير باق في المجتمع، رغم محاولات الدولة لدفنه عبر القوانين المنظمة للعمل الأهلي،
أو كما يقول الكاتب سامح فوزي في دراسته “الدولة والمجتمع: اتجاهات جديدة في التنمية”: “عادة ما تلعب الدولة دورا سلبيا لإعاقة بناء المجتمع المدني من خلال الركون إلى ترسانة من القوانين واللوائح التي تُكبِّل المبادرة الحرة الشخصية للأفراد، هذه حالة كثير من الدول النامية، وهو أمر يتصل بطبيعة تدخل الدولة غير القانوني في شئون المجتمع، أكثر ما يتصل بحجم تغلغلها القانوني الفعلي لتنظيم العلاقات داخل المجتمع كما هو الحال في الدول المتقدمة”.