الشعب المصري تحت رحمة مافيا الدواء
عاد الجدل الخاص بالبحوث السريرية: الشعب المصري تحت رحمة مافيا الدواء الغير مقننة في مصر للأدوية العالمية إلى الواجهة في ظل انتشار أخبار عن لقاحات جديدة لفيروس كوفيد-19 يتم تجربتها على مرضى في عدة دول ومن بينها مصر.
وفقًا لبيانات المعهد الوطنى الأمريكى للصحة، فإن مصر تعتبر الدولة الأفريقية الثانية الجاذبة لشركات الدواء الأجنبية لإجراء التجارب السريرية بعد جنوب أفريقيا.
قبل شهرين، كشف البرنامج الاستقصائي “ما خفي أعظم” على قناة الجزيرة، عن إجراء “تجارب غير أخلاقية” لأدوية على أُناس في مصر دون علمهم الأمر الذي عرضهم للخطر، مشيراً إلى أن ذلك حدث بعلم من مسؤولي الصحة في البلاد وموافقتهم.
وكانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بالتعاون مع معهد “بابليك آي، قد نشرت في 2016 دراسة حول التجارب السريرية في مصر، أرجعت فيه أسباب تفضيل شركات الأدوية لإجراء تجاربها السريرية في مصر إلى أن الدولة بها زيادة سكانية كبيرة وبها انتشار كبير للأمراض، بالإضافة إلى انتشار جهل المواطنين بالأدوية وانخفاض تكلفة التجارب.
جاءت هذه الدراسة بعدما تقدم محامي مصري، ببلاغ لرئاسة الوزراء والرقابة الإدارية حمل رقم 611182 ضد قيادات وزارة الصحة وشركتين أجنبيتين هما (روش، ونوفارتس)، يطالب فيه بالتحقيق “في استغلال فقر وجهل المريض المصري والزج به في تجارب طبية غير أخلاقية وبلا ثمن لصالح تربيح ومنفعة الشركات الأجنبية”. وفقا لجريدة مصر العربية.
التجارب السريرية: تاريخ من التجاهل
فى عام 2002 تقدم حسام بدراوى، الأستاذ بكلية طب قصر العينى، إلى البرلمان بمشروع قانون خاص بإجراء الدراسات الدوائية فى مصر، ودارت مناقشات حادة حول إقرار القانون ثم رفض.
وفى عام 2012 وضعت أول مسودة لقانون التجارب السريرية للدواء فى مصر، والتي أعلن عنها فى شهر أغسطس من عام 2014 ليتم حفظها لإجراء تعديلات عليها بعد إثارتها غضب واستياء كثير من الباحثين.
وفى يوليو 2015 نشرت بعض الصحف خبرًا عن اكتشاف الدكتورة غادة الشريف، رئيس قسم الإحصاء بالمعهد القومى للأورام، اختفاء ألف من ملفات مرضى السرطان بالمعهد، وبالتواصل مع على طه، المحامى الذى استعانت به الدكتورة غادة الشريف، بعد أن رفضت التعليق على الأمر، قال: «من المحتمل استخدام بيانات المرضى واستغلالهم من شركات الأدوية المشبوهة، التى تعمل فى مجال أبحاث محرمة وغير مسموح بها دوليًا، واستغلال فقرهم وجهلهم ومرضهم للمشاركة فى تجارب دوائية».
وفى 21 سبتمبر 2015 أذاع برنامج (مفتاح الحياة) الذى يعرض على قناة الحياة، أنه تم العثور على ملفات مرضى الأورام المفقودة داخل صندوق جمع القمامة فى شارع التحرير فى الدقى.
في 2016 قبيل طرح دواء «سوفالدى» لعلاج فيروس «سى» نشرت تقارير إعلامية حول تجربة الدواء في مرحلته الرابعة على مرضى مصريين دون اتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة، ما أثار الجدل أن أخبار انتشرت عن انتكاسة بعض المرضى بعد التجارب.
وفي 2018، أعاد البرلمان مناقشة قانون التجارب السريرية، وسط انتقادات من نقابة الأطباء المصرية، ونص القانون على احترام آراء ورغبات المبحوثين، حيث ألزم القانون راعي البحث «الذي سيمول البحث» بالإبلاغ الفوري للمبحوثين المشاركين في البحث الطبي بأية تعديلات تجرى عليه، وبأية نتائج يمكن أن تؤثر بالسلب على سلامتهم وبالآثار الجانبية الخطيرة غير المتوقعة للبحث الطبي، مع الالتزام بإبرام عقد تأمين طبي لهم طيلة البحث الطبي، مع إضافة عام أخر في هذا القانون كإجراء احترازي، فضلًا عن تقديم العلاج اللازم لهم في حالة الإصابة ذات الصلة بالبحث الطبي، بالإضافة إلى استكمال العلاج لمن يثبت حاجته لذلك منهم حتى بعد انتهاء البحث.
في النهاية وافق البرلمان على مشروع القانون، لكن الرئاسة اعترضت عليه وأعاده السيسي إلى البرلمان في أكتوبر 2018، بحجة رفضه طريقة تشكيل المجلس الأعلى للبحوث الإكلينيكية، واشتراط موافقته على جميع الأبحاث لضخامة عددها المتوقع، كما اعتبر أن المواد العقابية متشددة، وأنه من غير الواقعي حظر إرسال أية عينات بشرية إلى الخارج بزعم أن لا يتم معرفة الجينات المصرية والعبث بها. وبعد رفض السيسي، تراجعت أولوية القانون.
وفي فبراير 2020 إلى أن أرسل مجلس الوزراء مشروعا جديدا لمجلس النواب، فرفض رئيسه “علي عبد العال” مناقشته، وأعاده إلى الحكومة، بحجة أن نطاق عمل البرلمان يقتصر على إعادة صياغة المواد التي اعترض عليها الرئيس.
وفاجأت مصر الرأي العام في أبريل 2020، بإعلانها بدء اختبار عقار “أفيغان” الياباني سريريا على 50 من المصابين بفيروس كورنا لبيان مدى تأثيره، ورصد التأثير الإكلينيكي على المرضى في إطار بروتوكول التجارب السريرية التي تجري تحت إشراف منظمة الصحة العالمية. وأعلن مسؤول برنامج الترصد والاستعداد والاستجابة في منظمة الصحة العالمية، عمرو أبو العطا، نهاية الشهر الماضي، أن مصر وافقت على المشاركة في التجارب السريرية لتقييم الأدوية المستخدمة في علاج كورونا، في وقت تخوض فيه دول مختلفة سباقاً مع الزمن لإنتاج علاج أو مصل فعال.
ووفقا للدستور المصرى في مادته الـ 60 « لجسد الإنسان حرمة، والاعتداء عليه أو تشويهه أو التمثيل به جريمة يعاقب عليها القانون. ويحظر الإتجار بأعضائه، ولا يجوز إجراء أى تجربة طبية أو علمية عليه بغير رضاه الحر الموثق، وفقًا للأسس المستقرة فى مجال العلوم الطبية، على النحو الذى ينظمه القانون».
وأصدرت موسوعة المعلومات الطبية العالمية MSD دليلا للمواطنين لمعرفة حقوقهم قبل الموافقة على أي تجارب سريرية.
علامات استفهام كثيرة يثيرها رفض الرئاسة المصرية المتكرر اعتماد قانون التجارب السريرية، والاعتماد على لجنة “أخلاقيات” شكّلها السيسي لمنح الموافقات للشركات العالمية بعيدا عن الرقابة، يتساءل البعض عما وراء هذه المماطلة، وعن مصلحة النظام من وراء هذه اللجنة المؤقتة، التي طال توقيتها!.