المياه النظيفة وحق الحياة (1)
المياه النظيفة وحق الحياة
وفقا للهيئة العامة للاستعلامات، فإن الموارد المائية الحالية لمياه مصر تتمثل في نهر النيل الذي يُعد المصدر الرئيسي للمياه بنسبة 79.3 % من الموارد المائية، ثم المياه الجوفية وتقدر كميتها المستخدمة في مصر بحوالي 6.1 مليار متر مكعب للسنه، في الوادي والدلتا، وتأتي الأمطار بكمية تقدر بنحو 1.3 مليار متر مكعب سنويا، بينما يوفر إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي حوالي 5.7 مليار متر مكعب من إجمالي 12 مليار متر مكعب للصرف، بينما تبلغ نسبة مياه الصرف الصحي المعالج نحو1.3 مليار متر مكعب. فيما يقدر متوسط نسبة الفاقد فى مياه الشرب النقية مابين 10 : 36.5 % من إجمالى المياه المنتجة.
في ذات الوقت تشير الإحصاءات الصادرة عن وزارة الدولة للبيئة ووزارة الرى إلى أن الملوثات السائلة التي يتم تصريفها سنوياً إلى نهر النيل تصل إلى 16312 مليون متر مكعب، منها 312 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصناعى المحتوية على مركبات سامة، مثل أملاح الزئبق والكروم والرصاص. وهى من المعادن الثقيلة التي تسبب تسمم المياه وعدم صلاحيتها للشرب. بالاضافة الى 4.5 مليون طن سنويا من الملوثات الصناعية غير المعالجة تلقى فى النيل مباشرة، من بينها 50 ألف طن مواد ضارة و35 ألف من قطاع الصناعات الكيماوية.
وبحسب أخر بيان نشرته وزارة البيئة المصرية على موقعها الرسمي في 2015، للحد من التلوث على نهر النيل، قالت الوزارة أن مصادر التلوث تنحصر في مخلفات صناعية سائلة، ومياه الصرف الصحي، ومياه الصرف الزراعي، وصرف السفن والفنادق العائمة.
وحسب تقارير حقوقية فإن 38 مليون شخص يشربون مياه ملوثة فى مصر بسبب وجود 30 مصنع و310 فندق يضخون مخلفات كيمياوية فى النيل ، وحسب تقرير مركز السموم الإكلينيكية بالقصر العينى فإن 35% منهم يصابون بالتسسم بمحافظة القاهرة ، و12 % بالجيزة و50 % بالقليوبية، و60 % من أمراض الكلى يصاب بها المواطنين بسبب تلوث مياه الشرب.
فيما كشف تقرير صادر عن المركز المصرى لحقوق السكن أن هناك 6 محافظات مصرية تشرب مياها ملوثة ومخلوطة بالطحالب والبكتيريا. وهو ما أظهرته التحاليل الكيميائية للعينات المأخوذة من محافظات سوهاج والمنيا والسويس والغربية والقليوبية والبحيرة.
في الدراسة المنشورة تحت عنوان “تلوث المياه في مصر: الأسباب والمخاوف” الصادرة عن المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تشير إلى أن معاناة المصريين مع أمراض الكبد والفشل الكلوي، وفقدان الصيادين لمصادر دخلهم بسبب نفوق الأسماك، وتلوث المنتجات الزراعية، هي أبرز مخاطر تلوث المياه في مصر.
قرية “بردين” وقرية “الإبراهيمية” تمثل أشهر الأمثلة لشكاوى تلوق المياه، إذ تعددت شكاوى سكان القرية عدة مرات خلال السنوات الماضية عن تلوث مياه الشرب وحالات التسمم الناتجة عنه.
دراسات عديدة أجراها باحثون حكوميين ومستقلون، تناولت أسباب تلوث مياه الشرب والري، خاصة عن طريق المخلفات الصلبة من الصرف الصناعي والتي تؤدي إلى ارتفاع نسبة البكتريا الضارة في المياه. وتشير تقارير أن 5.1% من اجمالي الوفيات و6.5% من مجمل الاعاقات في مصر في السنة تعود الى المياه غير الصالحة للشرب وعدم كفاية مرافق الصرف الصحي وعدم كفاية النظافة وسوء إدارة الموارد المائية.
البنية التحتية للمياه والصرف
وفقا لاخر احصائية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء 2018، هناك 404 محطة صرف في مصر، ووفقا لجمعية مصر الخير نقلا عن تقرير اليونيسيف لعام 2016، فإن 7.5 مليون مصري ليس لديهم مصدر للمياه النظيفة في منازلهم فيما يعاني أمثر من 6 مليون مواكن من انقطاع المياه بشكل يومي، وتشير الإحصاءا إلى أنه 6% فقط من قرى مصر لديها خدمات صرف صحي، من إجمالي 4 آلاف قرية مصرية.
وقال التقرير أن الاستثمارات فى مجال الصرف الصحى بلغت 43 مليار جنيه بطاقة معالجة يومية 24 مليون متر مكعب لكل يوم حيث وصلت الطاقة المطلوبة خلال عام 2017 إلى 30 مليون متر مكعب لكل يوم، ووجود 250 محطة من محطات المعالجة بقيمة 20 مليار جنيه.
تشير خريطة مشروعات مصر إلى استراتيجية الحكومة منذ عام 2016 لتوصيل مياه الشرب إلى 240 قرية محرومة، إلى الانتهاء من إنشاء عدة محطات بالفعل، بالإضافة إلى توسعات في عدد من المحطات بقرى أخرى. وتشمل عمليات الحكومة حفر الآبار وإنشاء الخزانات وبناء وحدات للتنقية والتحلية، وغيرها من الإنشاءات المرتبطة بكل محطة. لكن المراقب لخريطة المشروعات سوف يلاحظ عمليات البطئ الشديدة في التنفيذ وانخفاض عدد القرى المستهدفة.
وفي يناير 2020، وقعت شركة فريد حسنين للطلمبات، عقد ثلاثي مع شركتي أكسبتانس باسافنت الألمانية ومجموعة بيوريكو المجرية، لتنفيذ مشروعات توصيل مياه الشرب والصرف الصحي، ضمن البرنامج القومى لتطوير القرى المصرية الذي أعلنت عنه الحكومة عام 205 لتطوير 4741 قرية، و 30888 عزبة ونجع خلال 16 عاماً. يشمل البرنامج 4 مراحل رئيسية، أبرزها، تحسين مستوى خدمات البنية التحتية الأساسية، تشمل، مياه الشرب، الصرف الصحي، الطرق، الاتصالات، الكهرباء، النظافة والبيئة والمواصلات.
بينما تنتظر القرى المصرية وصول مياهها النظيفة ومنظومة الصرف الصحي حتى عام 2030، كانت المدن المصرية أوفر حظاً، ففي أغسطس الماضي أعلن متحدث باسم وزارة الإسكان عن ارتفاع نسبة توصيل الصرف الصحي من 50% عام 2014، إلى 96%، وخلال عام ونصف سيوصل الصرف الصحي إلى المدن بالكامل. وأضاف أن 12% فقط من سكان القرى جرى توصيل المرافق إليهم حتى عام 2014، لكن خلال 6 سنوات جرى رفع هذه النسبة إلى 37.5%، إذ جرى تنفيذ 608 مشروعًا بتكلفة 19.5 مليارات جنيه.
وكانت دراسة أجرتها الجمعية الجيولوجية الأمريكية، قد أشارت إلى أن تزايُد التأثير السلبي للأنشطة البشرية، مصحوبًا بزيادة كبيرة في عدد السكان، بالإضافة إلى التأثيرات المتوقعة لتشغيل سد النهضة الإثيوبي، من شأنه أن يحدث أزمةً في مياه الشرب في مصر بحلول عام 2025.
في عام 2015 قدمت مصر منح لتوصيل المياه للقرى المحرومة في دول حوض النيل، مثل أوغندا التي قدمت مصر لها منحة لحفر 75 بئر مياه لرى قرى يسكنها 25 ألف مواطن أوغندى، في الوقت الذي تعانى فيه القرى المصرية من غياب المياه النظيفة، ويحرم نصف السكان من خدمات صرف صحي آمن، الأمر اللافت للنظر والاتعجب من اضطراب أولويات النظام المصري في التعامل مع الملفات الاستراتيجية بالدولة !