حياة الناس

مستقبل الخصوصية الإلكترونية في مصر

احذر من استغلال بياناتك.. قوانين تجرم اختراق الخصوصية الالكترونية للمواطن

مستقبل الخصوصية الإلكترونية في مصر

دخل قانون “حماية البيانات الشخصية” حيز التنفيذ مع تصديق السيسي عليه يوليو الماضي. وفقا لمجلس النواب فإن القانون يهدف إلى توفير مستوى مناسب من الحماية القانونية والتقنية للبيانات الشخصية المعالجة إلكترونيا “مستقبل الخصوصية الإلكترونية في مصر”، ومكافحة “انتهاك خصوصيتهم”، وتقنين وتنظيم أنشطة استخدام البيانات الشخصية في عمليات الإعلان والتسويق على الإنترنت، وفي البيئة الرقمية بشكل عام، لكن معارضي القانوني من المؤسسات الحقوقية يعتبرون هدفه الأول هو تمكين جهات “الأمن القومي” من الحصول على كامل بيانات المواطنين، وتقنين حرية الاطلاع عليها والتحكم فيها وإزالتها أو تعديلها، في ظل غياب أي رقابة قضائية على تلك العمليات.

ينص القانون على أنه “لا يجوز جمع البيانات الشخصية أو معالجتها أو الإفصاح عنها أو إفشاؤها بأية وسيلة من الوسائل إلا بموافقة صريحة من الشخص المعني بالبيانات أو في الأحوال المصرح بها قانونا”.

لكنه استثنى حالات عدة، منها “البيانات الشخصية لدى جهات الأمن القومي وما تقدره لاعتبارات أخرى”، حيث يجب على مركز حماية البيانات بناء على طلب من جهات الأمن القومي إخطار المتحكم أو المعالج بتعديل أو محو أو عدم إظهار أو إتاحة أو تداول البيانات الشخصية، خلال مدة زمنية محددة، وفقا لاعتبارات الأمن القومي، وذلك مع الالتزام بتنفيذ ما ورد بهذا الإخطار”.[1]

مستقبل الخصوصية الإلكترونية في مصر
مستقبل الخصوصية الإلكترونية في مصر

وبموجب القانون الجديد “مستقبل الخصوصية الإلكترونية في مصر” سيتم إنشاء هيئة عامة اقتصادية تحت مسمى “مركز حماية البيانات الشخصية”، تكون مهمتها حماية البيانات وتنظيم معالجتها وإتاحتها لاسيما للأشخاص والشركات، وذلك برئاسة الوزير المختص وبعضوية ممثل عن وزارة الدفاع وممثل عن وزارة الداخلية، وممثل عن جهاز المخابرات العامة، وآخر عن هيئة الرقابة الإدارية، وممثل عن هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، فضلا عن رئيسا تنفيذيا، وثلاثة من ذوي الخبرة يختارهم الوزير، على أن تكون مدة عضوية مجلس الإدارة 3 سنوات قابلة للتجديد.

مشروع القانون شهد جدلا داخل البرلمان المصري أثناء مناقشته، حيث أكد النائب شريف فخري، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي، أن مشروع القانون مقيد للحريات، وجاء بعيدا عن الواقعية التي تعالج بها البيانات الشخصية. وأضاف فخري خلال الجلسة العامة للبرلمان أن مشروع القانون فرض عددا من الضوابط التي يصعب أو يستحيل تنفيذها عمليا، حيث إن بنود القانون جاءت متناقضة مع بعضها البعض، وألغت ما قبلها وتضمنت عناوين فضفاضة، دون توضيح آليات تنفيذ تلك الضوابط.

يربط البعض بين القانون الجديد وبين حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي حول مشروعه الجديد للتحكم الرقمي أو ما وصفه بـ “عقل الدولة المصرية”، وهو عبارة عن عدد كبير من الخوادم لحفظ بيانات المواطنين والدولة في مكان ما تحت سطح الأرض، حيث أكد السيسي خلال مشاركته في المؤتمر الشباب (يوليو 2019)[2]،

أن مصر عملت على تأسيس عقل شامل لكافة بيانات الدولة والشعب المصري وأجهزة الحكومة والخوادم الخاصة بالجهاز الإداري للدولة، وتم حفظ ذلك في مقر آمن وسري تحت الأرض بعمق 14 مترا في العاصمة الإدارية الجديدة، مضيفا أن هذا المشروع تم تجهيزه تزامنا مع انتقال الجهاز الإداري للدولة إلى العاصمة الجديدة، وقدرت تكلفته بنحو 25 مليار جنيه. كما أشار إلى وجود وحدة احتياطية أخرى في مكان “بعيد” وفقا لتعبيراته، دون ذكر المزيد من التفاصيل حوله.

مستقبل الخصوصية الإلكترونية في مصر
مستقبل الخصوصية الإلكترونية في مصر

ومن المقرر أن يربط هذا العقل نحو 50 ألف جهاز حاسب، موجودين في العاصمة الإدارية، يكونوا مسؤولين عن إدارة مختلف أنشطة الدولة. وقال الرئيس: «نعمل منذ عامين لاختيار ما يقرب من 50 ألف شخص لتدريبهم وتأهيلهم، وذلك لتقديم أداء مرضي لآملنا وتطلعات شعبنا».

وفي أكتوبر 2019، خلال كلمته على هامش الندوة التثقيفية الـ 31 للقوات المسلحة، أعاد السيسي التأكيد على خطته لصناعة “عقل للدولة المصرية” في العاصمة الإدارية الجديدة، يشمل كافة معلومات وبيانات الدولة، معتبرا أنه “أمن قومي ومشروع كبير تم الإعداد له بعناية فائقة خلال السنوات الماضية”.

وبحسب صحيفة “المال” المحلية جرى الإعلان عن مناقصة إنشاء مركز بيانات العاصمة الإدارية، في مارس 2019، وتقدمت لها ٦ شركات، من بينها شركتا هواوي الصينية ونوكيا الفنلندية، ويعتقد أن هذا له علاقة بمشروع “عقل الدولة المصرية” الذي تحدث عنه السيسي.

انتهاكات الخصوصية.. تاريخ قديم

لم يكن قانون “حماية البيانات الشخصية” ” مستقبل الخصوصية الإلكترونية في مصر” أو مشروع عقل الدولة هما المؤشر الأول لسعي الدول للتحكم في بيانات المواطنين، ففي في 2018 أقر الرئيس المصري قانون “مكافحة جرائم الإنترنت” ليكون القانون الأول من نوعه في مصر في مجال مكافحة الجريمة الإلكترونية، وينص على فرض عقوبات تصل إلى السجن، ولغرامة مالية قد تصل إلى خمسة ملايين جنيه مصري، ضد مستخدمي الإنترنت والشركات مقدمة الخدمة في حال مخالفة أحكام هذا القانون. الذي تتشكل ملامحه كالتالي:

  • يحق لرئيس المحكمة الجنائية المختصة بإصدار أوامر “بضبط أو سحب أو جمع أو التحفظ على البيانات والمعلومات أو أنظمة المعلومات، وتتبعها في أي مكان، أو نظام، أو برنامج، أو دعامة إلكترونية، أو حاسب تكون موجودة فيه، ويتم تسليمها للجهة المنفذة للأمر، في حال كان لذلك فائدة في اثبات ارتكاب جريمة تستلزم العقوبة بمقتضى أحكام هذا القانون”.
  • كما تتضمن تلك الأوامر ولنفس الأسباب “البحث والتفتيش، والدخول والنفاذ إلى برامج الحاسب وقواعد البيانات وغيرها من الأجهزة والنظم المعلوماتية تحقيقا لغرض الضبط” وكذلك ” أمر مقدم الخدمة بتسليم ما لديه من بيانات أو معلومات تتعلق بنظام معلوماتي أو جهاز تقني، موجودة تحت سيطرته أو مخزنة لديه، وكذا بيانات مستخدمي خدمته، وحركة الاتصالات التي تمت على ذلك النظام أو الجهاز التقني أو في نطاقه”.
  • ويعاقب القانون المتورطين في نشر معلومات عن تحركات الجيش أو الشرطة، أو الترويج لأفكار التنظيمات الإرهابية بالسجن، ويفرض غرامات مالية بعشرات آلاف الجنيهات على من يثبت تورطه في سرقة واختراق البريد الإلكتروني لآخرين.
  • كما ينص القانون كذلك على معاقبة من يثبت تورطه في إتلاف بيانات رسمية بالسجن، وتغريمه مليوني جنيه مصري كحد أدنى، وخمسة ملايين جنيه كحد أقصى. إضافة إلى بنود أخرى عديدة.
  • يمنح القانون جهات التحقيق المختصة حق حجب موقع أو عدة مواقع أو روابط أو محتوى، إذا أمكن ذلك من الناحية الفنية، وفي حال وجدت أدلة على قيام تلك المواقع بوضع أية عبارات أو أرقام أو صور أو أفلام أو أية مواد دعائية تُشكّل تهديدا للأمن القومي، أو تُعرّض أمن البلاد أو اقتصادها القومي للخطر.
  • يجيز القانون للنائب العام، أو من يفوضه من المحامين العامين، أن يأمر بمنع المتهم من السفر خارج البلاد أو بوضع اسمه على قوائم ترقب الوصول لمدة محددة.
  • تسري أحكام هذا القانون على كل من ارتكب فعلا خارج الإقليم المصري، يجعله ضالعا أو شريكا، في جريمة منصوص عليها في هذا القانون، وجرت كلها أو بعضها، داخل الإقليم المصري أو ضد أحد الأملاك العامة للدولة أو مصالحها في الخارج.
  • ينص القانون على عقاب مزوّد الخدمة (شركات الاتصالات والإنترنت) إذا امتنع عن تسليم ما لديه من بيانات أو معلومات بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تتجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى العقوبتين.
  • وينص على معاقبة كل مزود خدمة امتنع عن تنفيذ قرارات المحكمة الجنائية المختصة بحجب المواقع أو الروابط بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه ولا تتجاوز مليون جنيه، وإذا ترتب على الامتناع إضرار بالأمن القومي، تكون العقوبة السجن المشدد وغرامة لا تقل عن ثلاثة ملايين جنيه ولا تتجاوز 20 مليون جنيه.
  • تخصيص مادة لعقاب “كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تتجاوز 100 ألف جنيه”، وهي المادة التي استخدمتها الداخلية في حبس فتيات التيك توك؛ وعددهم 9 فتيات: مودة الأدهم وحنين حسام وهدير الهادي وريناد عماد ومنة عبدالعزيز وبسنت محمد وشريفة رفعت ونورا هاشم ومنار سامي.
  • وبحسب المادة 7 من القانون، يمكن حجب المواقع الإلكترونية داخل الدولة أو خارجها، متى قامت أدلة على تهديدها للأمن القومي أو تعريضها أمن البلاد أو اقتصادها القومي للخطر، وهي المادة التي تشهد مصر بسببها أكبر حملة حجب مواقع إلكترونية؛
  • تشير بعض التقارير إلى حجب أكثر من 500 موقع إخباري أو لمنظمات غير حكومية، وبحسب تقرير مؤسسة “حرية الفكر والتعبير” الصادر في يونيو 2020، فإن الحجب طال 127 موقعا صحفيا أو إعلاميا أبرزها عربي 21 وشبكة الجزيرة ومدى مصر والعربي الجديد والبديل ومصر العربية وبوابة القاهرة ودايلي نيوز، كما شمل الحجب 12 موقعا حقوقيا أبرزها الشبكة العربية لحقوق الإنسان ومواقع هيومان رايستش ووتش ومراسلون بلا حدود والمفوضية المصرية للحقوق والحريات ومرصد صحفيين ضد التعذيب.
  • إضافة إلى مئات المواقع التي تقوم بعدد آخر من الأنشطة، بينها مواقع تابعة لمؤسسات حقوقية محلية ودولية، وكذلك المواقع التي تُمكِّن المستخدمين من تجاوز الحجب (البروكسي وVPN) وقالت المؤسسة في تقريرها “المحاولات الحثيثة للحكومة المصرية للسيطرة على الإنترنت بدأت مع تصاعد أهمية الإنترنت كأداة للتعبئة والضغط السياسي مع مطلع الألفية الجديدة”. كما تعرض 13 موقعا للتراسل الفوري إلى الحجب في سبتمبر 2019 أبرزهم تطبيق سيجنال، بالتزامن مع دعوات المقاول محمد علي للتظاهر ضد السيسي في حينها.
مستقبل الخصوصية الإلكترونية في مصر
مستقبل الخصوصية الإلكترونية في مصر

تاريخ مستمر لمحاصرة الخصوصية الإلكترونية للمواطنين بدأ منذ تولي السيسي حكم مصر، بالتوازي مع محاولات حثيثة أخرى للسيطرة على الإعلام، يرى البعض أنها كللت بالنجاح أخيرا. ليبقى السؤال مطروحاً: هل محاولات النظام المصري للسيطرة والتحكم في الفضاء العام وبيانات المواطنين وتحركاتهم أوشكت على الوصول إلى محطتها الأخيرة بإطلاق “مشروع عقل الدولة” بداية العام المقبل؟ أم أن جعبة النظام مازالت مليئة بوسائل الحرب على خصوصية المواطنين وحرية بياناتهم المتداولة؟

يتساءل الشعب المصري متربصاً بالأخبار اليومية التي تهدد كل مواطن في منزله!


[1] https://cutt.ly/Ud87pUG

[2] https://cutt.ly/id87iix

الأمن القومي: للدولة أم للنظام

ظاهرة الإلحاد في المجتمع المصري

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى