العشوائيات وحقوق السكن في مصر
العشوائيات وحقوق السكن في مصر
بدأت قصة العشوائيات في نيل الاهتمام في سبتمبر 2008 بعد حادثة الدويقة، عندما وقع انهيار صخري طوله 140 متر وعرضه 25 متر على منحدر، أدى إلى انهيار المئات من المساكن العشوائة بالمنطقة وتساقط صخور تزن 18 ألف طن فوق المنازل، دمرت مساحة 6500 متر مربع على الأقل في محيطها، وقررت حكومة مبارك في حينها إجلاء المضارين إلى مساكن جديدة، حسب تقرير منظمة العفو الدولية.
فور الحادث أصدر مبارك قرار رئاسي بتأسيس صندوق تطوير العشوائيات، وفي العام نفسه صدر “قانون البناء الموحد”، حيث قامت الحكومة بتقسيم المناطق العشوائية إلى ثلاثة تصنيفات: مناطق خطرة وغير آمنة، ومناطق غير مخططة، ومناطق غير صحية.
وفقا لاحصائيات مركز المعلومات التابع لرئاسة الوزراء في 2018، فإن إجمالي مساحة المناطق العشوائية في مصر يقدر ب 160.8 ألف فدان، تمثل نسبة نحو 39% من إجمالى الكتلة العمرانية للجمهورية وتنتشر فى 226 مدينة.
جاءت مساحات المناطق العشوائية بمحافظات سوهاج، والشرقية، وبنى سويف الأعلى على مستوى محافظات الجمهورية بنسب بلغت “71.1%، 69.5%، و65.3%، على التوالى، في الوقت ذاته هناك 8 مدن فقط خالية من المناطق العشوائية، مدينتين بمحافظة السويس، واثنين بالشرقية، وثلاثة مدن بكفر الشيخ، ومدينة واحدة بمحافظة الجيزة”. وبلغ عدد المناطق العشوائية غير الآمنة 351، بمساحة بلغت 4.5 ألف فدان.
يعيش في العشوائيات ما يقرب من 38 مليون شخص في مصر. ووفقاً لصندوق الإسكان الاجتماعي، يحتاج ما بين 75 إلى 80 بالمئة من السكان إلى شكل من أشكال الدعم من أجل ضمان تملك المساكن رسمياً مع ضمان حيازتهم لها. ويشير هذا إلى وجود عدم توازن بين متوسط الدخل وتكلفة السكن، وقد تفاقم ذلك بسبب ارتفاع تكاليف الإسكان بوتيرة أسرع من الدخل.
في يونيو 2020 قالت محافظة القاهرة في تقرير لها أن إجمالى المناطق العشوائية القابلة للتطوير يصل إلى 64 منطقة، يقع الجزء الأكبر منها فى المنطقة الجنوبية للمحافظة بنسبة %56 يليها المنطقة الغربية بنسبة %19 فيما يصل حجم المناطق العشوائية فى المنطقة الشمالية لمحافظة القاهرة %11 يلها المنطقة الشرقية بنسبة %14.
وأكد التقرير أن المحافظة تمكنت من إزالة 5 مناطق عشوائية بشكل كلي، فيما وصل حجم الإزالات الجزئية للمناطق العشوائية إلى 21 منطقة، ليصل عدد السكان الذين تم توفير مساكن بديلة لهم إلى 289 ألفاً و233 مواطناً.
الإخلاء القسري للسكان
في يوليو 2017 طالبت اليوم المفوضية المصرية للحقوق والحريات السلطات بوقف عملية الإخلاء القسري لسكان جزيرة الوراق بشمال الجيزة وعدم استخدام القوة ضدهم من قبل قوات الأمن و فك الحصار عن سكان الجزيرة. حيث وصلت قوات من الشرطة مصحوبة بقوات من الجيش إلى جزيرة الوراق لإزالة بعض المباني المخالفة المأهولة بالسكان وإخلاء السكان من منازلهم بالإكراه.
فيما اعترض أهالي الجزيرة على محاولة الإخلاء حيث لم يكن هناك سابق إنذار أو تشاور مسبق مع السكان حول تنفيذ المشروع أو نقاش حول التعويضات للمتضررين أو عن وجود السكن بديل من عدمه أو أي فرصة لهم للطعن على قرارات الإزالة بالطرق القانونية، وتجمهر أهالي الجزيرة رافضين ترك منازلهم واخلائهم منها، قوبل ذلك باستخدام القوة من القوات المكلفة بتنفيذ الازالات، بما في ذلك استخدام الأعيرة النارية والقنابل المسيلة للدموع لتفريق الأهالي المتجمهرين أمام منازلهم.
وفقا لبي بي سي، قدّمت شركة الهندسة المعماريّة (RSP)، ومقرّها سنغافورة، مخططا إلى الحكومة المصريّة في مارس عام 2013، يظهر الورّاق كمقاطعةٍ أشبه بمدينة دبي تزخر بناطحات السحاب وتحتوي على حوض سفنٍ وهرمٍ زجاجيٍّ كبير، ورغم أن الشركة قالت لاحقا أنّها لم تعد مشاركة بمشروع إعادة إعمار جزيرة الورّاق، إلا إن الحكومة استمرت في مخطط إجلاء السكان الذين أكدوا في مقابلات مع BBC عدم تلقّيهم لأية إنذاراتٍ مسبقة بشأن عمليّات الهدم، وقدّموا وثائق تثبت ملكيّتهم لعقاراتهم في الجزيرة ولكن سرعان ما فشلت المحادثات مع الحكومة.
لم يكترث السيسي باعتراضات الأهالي وأحداث العنف الأمني، حيث أوكل قضيّة الورّاق إلى اللواء كامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة في حينها. وأكد الوزير في نوفمبر 2017 إنه ‘لن يكون هناك أي تهجير قسري’ وإنه سيتم اعتماد مبالغ مالية لتعويض السكان الذين سغادرون مساكنهم ‘بالتراضي’ وأن التعويضات ستكون ‘بالمتر وبالقيراط’.، جدير بالذكر أنه منذ تولّي السّيسي السّلطة عام 2013، سلّم إدارة مشاريع البنية التّحتيّة إلى القوّات المسلّحة ممثلة في الهيئة الهندسية.
وفي 17 يناير 2019 بدأت قوات تابعة لمديرية أمن الجيزة بالتدخل لهدم عقارات قائمة بمنطقة نزلة السمان وطرد سكانها، الأمر الذي أدي لتجمع الأهالي في تظاهرات ووقفات أمام منازلهم رافضين عمليات الإخلاء القسرية التي تقوم بها السلطات المصرية بحقهم.
ونزلة السمان هي أحد مناطق الجيزة المجاورة للأهرامات ، ومعظم سكانها يعملون في الخدمات السياحية حيث تمثل مصدر دخلهم الوحيد. وترجع عمليات تطوير منطقة نزلة السمان إلى أواخر عهد مبارك. ففي عام 2002 أقيم سور بحوالي طول 18 كيلومتر لعزل نزلة السمان عن هضبة الأهرامات.
وفي عام 2009 ومع تقديم مخطط القاهرة 2050 من جانب الهيئة العامة للتخطيط العمراني والذي كان يتولى رئاستها آنذاك المهندس مصطفي مدبولي، وشملت خطة التطوير تحويل نزلة السمان إلى مزار سياحي كبير نظرا لموقعها الاستراتيجي الواقع بين الأهرامات والمتحف المصري الكبير. وعليه تم التخطيط لنقل 53392 مواطنا من سكان نزلة السمان على مدى 6 سنوات إلى نطاقات أخرى، بتكلفة 1.5 مليار جنيه،
وفي فبراير 2019 قال بيان المفوضية المصرية للحقوق والحريات بأن قوات أمن مصحوبة بجرافات انتقلت إلى منطقة عين الصيرة بحي مصر القديمة للبدء في المرحلة الأولي من مراحل عمليات إزالة المنطقة وإخلاء سكانها منها ونقلهم إلى منطقة الأسمرات. سبق ذلك لجان حصر وصلت المنطقة قبل ثلاث أسابيع لحصر الملاك والساكنين لنقلهم إلى وحدات سكنية بالأسمرات بمقابل إيجارات تتراوح من 700 إلى 1000 جنيه شهريا، ولم يتم أخذ المحلات التجارية أو الورش الفنية في الاعتبار، وأن المنطقة سيتم إزالتها بالكامل ولا يعلمون مصيرها بعد الإزالة ولم يتم مشاركتهم في مخطط التطوير.
مشروعات الدولة البديلة
قال مدير صندوق تطوير العشوائيات بمحافظة القاهرة في تصريحات صحفية أبريل الماضي؛ إلى أن الدولة تعمل على الانتهاء من تسليم مشروع “معًا 1و 2″، خلال هذا العام، وهو مشروع يضم حوالى 4416 وحدة سكنية، وتم الانتهاء من المشروع بنسبة 85%. وأشار إلى أن منطقة الخيالة أحد مشروعات التجمعات السكنية الحديثة أيضًا، ويقوم على تنفيذها هيئة الأشغال العسكرية، وتم الانتهاء من المشروع بنسبة 90%، حيث ستوفر 2520 وحدة سكنية بديلة ، وهي مخصصة لأهالي شارع المحجر ومناطق الخطورة في عزبة خيرالله وسيتم نقلهم بعد الإنتهاء من أعمال المناطق الخدمية.
والعام الماضي نشر موقع مشروعات مصر عدة مشروعات للسكن البديل للعشوائيات، حيث أشار إلى انتهاء مشروعات لاقاهرة مثل:
- إسكان الأسمرات 1 و2 (تضمان 10980 وحدة سكنية، بتكلفة إجمالية 1.6 مليار جنيه، ويستفيد منها 43920 شخصًا).
- إسكان الأسمرات 3 (تضم 7298 وحدة سكنية بتكلفة إجمالية 1.75 مليار جنيه ويستفيد منها 29192 شخصًا).
- إسكان أهالينا (يضم 1096 وحدة سكنية بتكلفة إجمالية 600 مليون جنيه ويستفيد منها 4384 شخصًا).
- منطقة الزبالين بـ15 مايو (تضم 1000 وحدة سكنية، و17 مليون جنيه تكلفة مخر السيل بها).
- إسكان المحروسة 1 و2 (تضمان 4913 وحدة سكنية و129 وحدة تجارية وإدارية بتكلفة إجمالية 940 مليون جنيه، ويستفيد منها 19652 شخصًا).
- روضة السيدة (تضم 816 وحدة سكنية و198 وحدة إدارية بتكلفة إجمالية 330 مليون جنيه، ويستفيد منها 3264 شخصًا).
والعام الماضي أعلن رئيس صندوق تطوير العشوائيات انتهاء المناطق الغير آمنة في مصر، عبر تطوير 188 منطقة بها 105328 وحدة سكنية، بالإضافة إلى الانتهاء من تطوير 18 سوقاً عشوائية، وتكلفت الدولة 14 مليار جنيه للقضاء على العشوائيات غير الآمنة منذ عام 2014، حسب البيان.
تجادل المنظمات الحقوقية بشأن التهجير القسري للسكان في بعض المناطق العشوائية بغض النظر عن البدائل التي ستوفرها الحكومة للمواطنين، حيث أن التهجير المفاجئ للسكان يتعارض مع كاقة القوانين الدولية والدستور المصري، بينما يرى خبراء اقتصاديون أن تطوير العشوائيات هدفه استثماري بحت، ووراءه مشروعات متعددة الجنسيات. لكن في كل الأحوال يأمل الملايين من سكان هذه المناطق في نيل حقهم في سكن آمن كما يكفله الدستور، بغض النظر عن نوايا الحكومة!