ثروات مصر المدفونة (1)
ثروات مصر المدفونة
لم يكن التغني بموقع مصر الجغرافي المتميز وسط قارتي آسيا وأفريقيا، ومواردها الطبيعية الغير محدودة “ثروات مصر المدفونة “؛ مجرد دروس للطلاب في كتب التاريخ والجغرافيا. إنها حقيقة يثبتها الزمن كلما اكتشف جانبا من ثروات مصر المدفونة، أو ربحت جزءا من استثمارها فيها.
تملك مصر على سبيل المثال في الموارد المائية، نهر النيل الذي يبلغ طوله 1300 كم بالإضافة إلى 10 بحيرات هي: مريوط – إدكو – البرلس – قارون – المنزلة – ناصر – البردويل – التمساح – المرة – الزرانيق، كما يبلغ إجمالي طول سواحل مصر3200 كم، تشمل قناة السويس وهي أطول ممر مائى ملاحي (193,25 كيلومتر) يربط بين محيطين الأطلسى والهندى، وبين بحرين الأحمر والمتوسط وبين ميناءى السويس وبورسعيد.
وفي الآثار والسياحة، فإن مصر تملك ثلث آثار العالم تمثل كافة الحضارات التاريخية السابقة، وأنشأت مصر طوال تاريخها 25 متحفا لجمع الآثار. كما تمتلك مصر 40 من المحميات الطبيعية تمثل 15% من مساحة مصر. وفي الموارد الزراعية، تملك مصر 8 ملايين فدان زراعي وآلاف الأحواض السمكية. وفي الثروة المعدنية تملك مصر أكبر مخزون للغاز الطبيعي في العالم، بالإضافة إلى أكثر من مائة منجم معلن للذهب.
كما تمتلك مصر ثروة هائلة من المناجم المعدنية والحجرية، إذ بها ما يقرب من 39 خامة من المعادن تدخل في جميع الصناعات، وتقدر عدد المناجم في مصر بحوالي 4500 منجم بمختلف أنواعها، تحتل بها المرتبة الثالثة عالميًا في الثروة المحجرية والمعدنية. كما توجد ثروات معدنية متعددة ما بين فوسفات وذهب وفلسبار ورمال بيضاء.
الثروة المعدنية في مصر
في يناير 2020 دخل قانون الثروة المعدنية التي أصدرته الحكومة حيز التنفيذ، وصرح وزير البترول طارق الملا بأن قانون الثروة المعدنية الذي تم تعديله عام 2014 “لم يحقق الغرض المنشود منه في جذب الاستثمارات، وهو ما استدعى إعادة النظر في القانون وفي المناخ الاستثماري التعديني بشكل عام”.
وفي فبراير من هذا العام أعلن وزير البترول والثروة المعدنية، طرح المزايدة العالمية الأولى للبحث عن الذهب والمعادن المصاحبة، بإجمالي 320 قطاعا على مساحة حوالى 56 ألف كيلومتر مربع.
فور الإعلان منحت مصر شركة “أتون ريسورسز” الكندية أول ترخيص لاستخراج الذهب منذ الترخيص لشركة “سنتامين” قبل 15 عاما، حيث كانت تعمل الشركة الوحيدة في مجال التنقيب عن الذهب بمصر في منجم السكري بالصحراء الشرقية، والتي حصلت على رخصتها في عام 2005، ومنذ ذلك الحين لم يجذب القطاع ولا قوانينه مستثمرين آخرين. ووفقا لتقارير محلية فإن 86% من صادرات مصر من الذهب تذهب لدولة كندا وتقدر بمبلغ نصف مليار دولار مليون دولار سنويا.
وكان رجل الأعمال نجيب ساويرس، قد أعلن عن نيته الاستحواذ على 51% من شركة “شلاتين للثروة المعدنية”، ويترأس ساويرس مجلس إدارة شركة لامانشا القابضة، المختصة في مجال التعدين. وشركة “شلاتين للثروة المعدنية” تمتلكها جهات حكومية مثل الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع “لوزارة الدفاع”، وبنك الاستثمار القومي، والشركة المصرية للثروات.
وشهد عام 2019 بيع حوالي 15 طن ذهب وفضة من إنتاج منجم السكري بإجمالي قيمة مبيعات حوالي 650 مليون دولار. جدير بالذكر أن المنجم به احتياطى يكفى 25 عاما حيث يعد أحد أكبر 10 مناجم فى العالم.
ويوجد في مصر أكثر من 120 منجم ذهب آخرين، أكبرها منجم السكري الذي ينتج 500 ألف أوقية في السنة، إضافة إلى ثلاثة آلاف محجر، موزعين بين البحر الأحمر، والصعيد، والسويس.
وحسب بيانات وزارة التنمية المحلية فإن عدد المحاجر فى مصر يزيد عن الألفين محجرًا، بها خامات “حجر جيرى – بازلت – رمل – زلط – كسر جرانيت – رخام أبيض – جبس – طفلة “، بالإضافة إلى خامات “فوسفات – أكسيد حديد – تلك – فحم حجرى – غاز طبيعى ” وتتواجد هذه المناجم الأخيرة فى محافظتى أسوان والوادى الجديد.
وفقا لأحد مستشاري مجلس الوزراء فإن مصر لديها مخزون من الفوسفات يصل إلي عشرة آلاف مليون طن فى المحاميد وساحل البحر الأحمر وأبوطرطور. بالإضافة إلى مخزون من المنجنيز في سيناء يقدر بحوالي ١٧٥ ألف طن، ومخزون الرمال البيضاء التى تدخل في صناعة الزجاج، وشرائح الأجهزة الكهربائية، وإنتاج الكهرباء يقدر بحوالى 20 مليار طن.
ووفقا للمستشار أيضا فإن مصر تملك أكبر مخزون من الرخام، والجرانيت، علي مستوى العالم، بالإضافة إلى كميات كبيرة من التلك، والكبريت، والجبس، والكوارتز، والكاولين ورمل الزجاج، والأحجار الكريمة، والالبستر، والحجر الجيرى.
وطبقا لتقرير أعدته هيئه المساحة الجيولوجية الأمريكية حول الكميات الممكن استخراجها من غاز وبترول حول العالم، تؤكد أن حوض دلتا نهر النيل والظهير البحري له من البحر المتوسط بهما أكبر التقديرات علي مستوى العالم وبها ١٨٠٠ مليار برميل بترول و٢٢٣ ألف مليار قدم مكعب غاز ونحو ستة مليارات برميل غاز مسال بالإضافة الى 5 مليارات برميل بترول في البحر الأحمر و١١٢ ألف مليار قدم مكعب غاز.
إدارة الدولة المصرية للثروة
في عام 2004 صدر قرار رقم 336 بتغيير اسم “الهيئة المصرية العامة للمساحة الجيولوجية والمشروعات التعدينية” لتصبح “الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية” لتكون مسئولة عن تنمية الثروة المعدنية في مصر وحسن استغلالها، كما تم أيضاً إصدار قرار رقم 1963 لسنة 2005 بتشكيل مجلس استشاري يتبع وزارة البترول يسمي “المجلس الاستشاري الأعلي للثروة المعدنية” يختص بوضع استراتيجية للثروة المعدنية في مصر، في محاولة لتعظيم الاستفادة من موارد مصر الطبيعية.
وفي أبريل 2013، نشرت جريدة الشروق تحقيقاً عن اكتشاف منجم للذهب في منطقة وادي اللقيطة بمحافظة قنا، تسيطر عليه قبائل من البدو ويحتكرون إنتاجه حيث يديرون صناعة كاملة لاستخراج الذهب الخام وسبكه وبيعه، في غيام تاب للحكومة. وفي عام 2019 أقر البرلمان قانون الثروة المعدنية الجديد، بينما صدرت لائحته التنفيذية يناير من هذا العام. وظلت مصر تعمل بقانون للثروة المعدنية لقرابة نصف قرن دون تغييره منذ عام 1956 قبل أن يتم إصدار قانون 2014 الذي جرى تعديله العام الماضي، بسبب تدني العوائد مثل رسوم استخراج الذهب (الإتاوات)، التي لا تزيد على 360 مليون جنيه.
جدير بالذكر أن التحولات التشريعية والهيكلية التي جرت خلال السنوات الماضية في قطاع التعدين تعود إلى الخطة التي وضعها مكتب “وود ماكنزي Wood Mackenzie” الذي استعانت به وزارة البترول والثروة المعدنية بحكومة الانقلاب، وهي مجموعة عالمية مقرها “إدنبره” بالمملكة المتحدة البريطانية، متخصصة في أبحاث واستشارات الطاقة، والمعادن والتعدين. وتشتهر دولياً بتوريد البيانات الشاملة، التحليل الكتابي، والتوصيات الاستشارية.
في حديثه للجزيرة نت، أرجع الخبير الاقتصادي محمد كمال عقدة، عدم استغلال المناجم من قبل الدولة إلى “عدم قدرتها أصلا على إنشاء المصانع لاستغلال المواد الخام التي تنتجها تلك المناجم، لأنها تحتاج إلى بيئة متكاملة من صناعات وخبرات مختلفة، وبنية تحتية متكاملة، نظرا لحجم الاستثمارات الكبير، وطول المدة الزمنية لاسترجاع ما تنفقه تلك الشركات”.
وقال الخبير، إنه لا يوجد ما يمنع من منح تراخيص التنقيب للمناجم والمحاجر للقطاع الخاص، لكن شريطة أن تكون هناك شفافية ومراقبة عند طرح المناقصة وإرساء العطاء، ومن ثم مراقبة عمليات الإنتاج والبيع، حتى تحصل الدولة على حقوق مواطنيها.
تكشف أزمة منجم “أبو غلقة” بالصحراء الشرقية عام 2008، جانبا من طريقة إدارة النظام المصري للثروات السيادية لمصر، حيث كان المنجم تابعًا لشركة النصر للتعدين (قطاع عام حكومية) ثم حدث تنازع على ملكيته بعهد مبارك بين الجيش وشركة النصر للتعدين حكمت فيه القضاء الإداري لصالح شركة النصر، وعقب ثورة يناير 2011 تقدمت قوات من الجيش الثالث الميداني للاستيلاء على المنجم بوضع اليد وطردت منه العاملين التابعين لشركة النصر بقوة السلاح وهو إلى الآن تابع للقوات المسلحة.
نالت الحكومات المصرية على مدار عقود ماضية اتهامات كثيفة بالإهمال المتعمد والفساد في إدارة ملف الثروة المعدنية، مما أدى إلى إهدار وتسريب ثروة مصر من الذهب وباقي المعادن وعدم استغلالها بالشكل الأمثل، وفقدان خزانة الدولة لموارد وعوائد كبيرة كانت أحق بها، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تمر بها مصر حالياً. كما لم تلق الحكومة بالاً لنداءات كشف الفساد في المحليات والذي تخضع المحاجر لها، حيث تختص المحليات بإصدار التراخيص لها.