معضلة ديون مصر
في أحدث تقرير لـ صندوق النقد الدولي قال في أغسطس الماضي إن ديون مصر الخارجية قد وصلت إلى 119.6 مليار دولار بنهاية السنة المالية الحالية التي انتهت في يونيو 2020 ، لكنه توقع في الوقت ذاته قدرة مصر على سداد الديون، ورفع الصندوق توقعاته للديون إلى 126.7 مليار دولار بنهاية العام المالي الجاري الذي ينتهي في أواخر يونيو 2021، ثم إلى 127.3 مليار دولار في نهاية يونيو 2022 قبل أن يعاود الهبوط في العامين التاليين إلى نحو 119 مليار دولار.
وتظهر أحدث بيانات البنك المركزي ارتفاع الديون المحلية إلى نحو 4.18 تريليونات جنيه بنهاية سبتمبر 2019، بينما كانت تبلغ حوالي 1.8 تريليون جنيه لدى وصول السيسي إلى الحكم، كما قفز الدين الخارجي إلى 112.67 مليار دولار في نهاية ديسمبر، في حين لم يكن يتجاوز 46 مليار دولار قبل ست سنوات.
وأضاف الصندوق أن التعافي المتأخر أو تفشي الوباء من جديد سيفاقم الضغط على المالية العامة، مما يؤدي إلى زيادة احتياجات التمويل وارتفاع الدين العام، وزيادة المخاطر بعدم القدرة على تحمل الديون وخسائر إضافية للإنتاج، مما يؤدي إلى معدلات بطالة أعلى، وتزايد الفقر، ومخاطر عدم الاستقرار المالي وتجدد الضغط على تدفقات رأس المال وتكاليف الاقتراض الحكومية.
وتوقع صندوق النقد الدولي أن يقفز معدل التضخم في مصر إلى 8% في المتوسط بحلول نهاية العام المالي، مقابل 5.8% في العام المالي 2020/2019، بالإضافة إلى تواصل الضغوط على المالية العامة للدولة، إذ من المتوقع أن ترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 93% قبل أن تعاود الانخفاض في مسار هبوطي، كما توقع الصندوق أيضا إن الأرصدة الخارجية ستواصل تراجعها وسط “التوقعات العالمية الأضعف بشكل ملحوظ وانخفاض التدفقات الأجنبية الداخلة”.
والعام الماضي؛ أظهرت بيانات البنك المركزي المصري، ارتفاع الدين العام المحلي 8% على أساس سنوي إلى 4.186 تريليونات جنيه (270 مليار دولار) بنهاية الربع الأول من العام المالي 2019-2020.
البيانات ذكرت أنّ الدين الخارجي للبلاد زاد 18% على أساس سنوي إلى 109.362 مليارات دولار في نهاية سبتمبر2019، علماً أنّ أمام مصر جدول سداد ديون خارجية صعباً للعامين المقبلين، وهي تحاول توسيع قاعدة مستثمريها وتمديد آجال استحقاق ديونها والاقتراض بفائدة أقل.
جدير بالذكر أنه منذ الانقلاب العسكري 2013 وحتى 2019، سدد البنك المركزي نحو 36.7 مليار دولار من الديون، بالإضافة إلى 14.5 مليار دولار قيد السداد في العام الحالي، منها، 1.48 مليار دولار لصالح الدول الأعضاء في نادي باريس، و1.69 مليار لعدد من المؤسسات الدولية، بالإضافة إلى 387.36 مليون دولار فوائد عن سندات اليورو بوند التي طرحتها وزارة المالية في الأسواق الدولية خلال الفترة الماضية. كما يتوجب سداد 2.07 مليار دولار قيمة وديعة مستحقة لدولة الكويت، و5.25 مليارات دولار أقساط ودائع للسعودية، و78.2 مليون دولار فوائد عن ودائع الإمارات و28.1 مليون دولار فوائد عن سندات سيادية طرحتها الحكومة عام 2010، وأخيرا 3.5 مليارات دولار قيمة ديون قصيرة الأجل.
الديون الخارجية
تحتل الدول العربية نسبة 27% من ديون مصر؛ خصوصًا السعودية والإمارات والكويت؛ ووفقا لإحصائيات 2019 فإن إجمالي الديون الخارجي بلغ 17.2 مليار دولار، حيث ارتفعت ودائع السعودية إلى 7.5 مليار دولار بنهاية 2017، وارتفعت ودائع الإمارات إلى 5.9 مليار دولار، كما استقرت ودائع الكويت عند 4 مليارات دولار، وانخفضت ودائع ليبيا إلى 500 مليون دولار.
تلي ذلك المنظمات الدولية، مثل البنك الدولي للإنشاء والتعمير، بنسبة 9.3%، وصندوق النقد الدولي، بنسبة 8.9%. في الوقت نفسه فإن نسبة 22.4% من إجمالي الدين الخارجي المصري المقدرة بـ18.5 مليار دولار جاءت من الصين، بنسبة 6%، ودول أعضاء نادي باريس خصوصًا ألمانيا 8.5%، واليابان 2.6%، وفرنسا 2.3%، والولايات المتحدة الأمريكية 1.8%، وإنجلترا 1.2%.
وبلغت ديون نادي باريس المعادة هيكلتها 4.7 مليار دولار، تشمل 444.92 مليون دولار فوائد، و4.253 مليار دولار أقساط ديون، يتم سدادها خلال الفترة بين النصف الثاني من 2017 وحتى النصف الثاني من 2026. كما بلغت الديون غير المعادة هيكلتها 9.352 مليار دولار، منها 8.487 مليار دولار أقساط ديون، و865 مليون دولار فوائد الديون، ويتم سدادها خلال الفترة بين النصف الثاني من 2017 وحتى النصف الثاني من 2054.
وفي يونيو الماضي ذكرت وكالات أنباء نقلا عن مسؤول بالبنك المركزي الكويتي أن مصر لم تسدد وديعة مستحقة بقيمة ملياري دولار في إبريل/ نيسان الماضي، من إجمالي ودائع كويتية مستحقة السداد قبل نهاية العام الجاري بنحو 4 مليارات دولار. وتظهر بيانات رسمية مصرية أن إجمالي قيمة الودائع الخليجية التي يستحق سدادها خلال العام الجاري تبلغ نحو 10.29 مليارات دولار، القيمة الأكبر منها للسعودية، تليها الإمارات ثم الكويت.
طبقاً لهذه المؤشرات، فإن مستوى الديون المصرية ينذر بالقلق، ويهدد بإدخال الاقتصاد المصري في وضع حرج؛ وعلى الرغم من أن وكالة «ستاندرد أند بورز» رفعت التقييم السيادي للاقتصاد المصري من «- B» إلى «B» للمرة الأولى منذ عام 2013، فإنها أضافت أن عدم السيطرة على الدين الخارجي لمصر قد يسبب ضغوطًا سلبية على تصنيفها الائتماني فيما بعد؛ حيث قالت إن الضغوط السلبية على تصنيف مصر قد ترتفع في حالة تغير مسار خطة الدولة لخفض الديون مقابل الناتج المحلي؛ حيث أوضحت أن خطة جدولة مصر لديونها قد تتغير بسبب حالات القصور المالي، أو ارتفاع تكلفة الدين، أو انخفاض قيمة العملة أكثر من المتوقع، أو تراجع مستويات الاحتياطي النقدي بشكل كبير.
الدين الداخلي
على مستوى الدين الداخلي فقد ارتفع من 3.537 ترليون جنيه في 2018 إلى 4.186 تريليون جنيه نهاية العام الماضي، حيث احتلت نسبة الأرصدة من السندات وأذونات الخزانة العامة النصيب الأكبر من الديون، بنسبة 95.4% من إجمالي الدين المحلي، بواقع 3.372 ترليون جنيه مصري.
ووفقا لتقرير 2018 فإن قيمة السندات على الخزانة العامة بلغت 1.842 ترليون جنيه، منها 0.048 ترليون جنيه سندات صادرة بالدولار الأمريكي لصالح البنوك التجارية (البنك الأهلي– بنك مصر) بنسبة 1.4% من إجمالي الدين المحلي، إضافة إلى سندات مطروحة في الخارج بالدولار، بقيمة 0.032 ترليون جنيه وبنسبة 0.9% من إجمالي الدين المحلي. كما تبلغ قيمة أذونات الخزانة العامة 1.531 ترليون جنيه من إجمالي الدين المحلي، منها 1.212 ترليون جنيه بالجنيه المصري، بنسبة 34% من إجمالي الدين المحلي،
وأذونات صادرة بالدولار بقيمة 0.289 ترليون جنيه، أو بنسبة 8% من إجمالي الدين المحلي، وأذونات صادرة باليورو بقيمة 0.029 ترليون جنيه، أو بنسبة 0.8%.. كما بلغت نسبة الدين المحلي 86.8% من الناتج المحلي الإجمالي في مارس 2018؛ حيث كانت النسبة 88.6% في مارس 2017 بانخفاض 1.8%؛ حيث بلغ إجمالي الناتج المحلي في مارس 2017، 3.47 ترليون جنيه، ويبلغ الناتج المحلي في مارس 2018 مقدار 4.073 ترليون جنيه.
ما ينذر بالخطر؛ أن أغلب هذه الديون لا تذهب من أجل الاستثمار الحكومي أو مشروعات تنموية؛ بل تذهب بالأساس إلى تسديد العجز في الموازنة؛ خصوصًا على بنود الأجور والمرتبات، ما يعني أن هذه الديون لا تساهم في عملية التنمية أو زيادة معدلات النمو، وهو الوضع الذي يضعف من القدرة المستقبلية لمصر مستقبلًا على تسديد هذه الديون.
مشكلة الديون المصرية ليست جديدة، فقد كانت موجودة دائمًا على رأس المشكلات التي تواجه الحكومات المختلفة؛ لكن الجديد في السنوات الأخيرة أن معدلات الديون بالنسبة إلى الناتج المحلي ظلت في تصاعد مستمر، وعلى الرغم من أن التصريحات الحكومية في فترات سابقة كانت تؤكد على أن معدلات الفائدة على هذه الديون كانت منخفضة؛ خصوصًا وأن أغلبها كان قادمًا من دول الخليج للدعم السياسي لنظام 3 يوليو، فإن هذا بدأ يتغير مؤخرًا مع اقتراض مصر من الصين، وهي من البلدان التي تتميز بمعدلات فائدة مرتفعة على قروضها. وهي دلالة على تغيير في طبيعة الديون التي سيتم اقتراضها مستقبلًا. كان هذا واضحًا أيضًا بسبب ارتفاع أعباء خدمة الدين في الموازنة العامة الأخيرة، لتمثل واحدًا من أكبر الأرقام في الموازنة.