مستقبل الزراعة في مصر
يوفر قطاع الزراعة وظائف لما يُقارب 25% من إجماليّ القوى العاملة في مصر، كما أنّه يُتيح العمل لنحو 37% من القوى العاملة النسائية، وهو ما يُعادل الفرص التي يوفّرها قطاعا الصناعة والبناء معاً، ويُشار إلى أنّ القطاع الزراعيّ في مصر يُعيل نحو 55% من سكان المناطق الريفية.
ووفقاً للإحصائيات الحديثة فإنّ القطاع الزراعي يُساهم بنسبة 17% من إجمالي الناتج المحلي المصري؛ وذلك لأنّه يُساهم بشكلٍ غير مباشر في إجمالي الناتج المحلي لقطاع الصناعة في مصر من خلال توفير المدخلات الرئيسيّة له، خاصةً في قطاعي المنسوجات والمواد الغذائيّة اللذين يُعدّا من أكبر قطاعات الصناعة في مصر حيث يعمل فيهما 29% من إجماليّ نسبة العمالة في القطاع الصناعيّ، إذ يعدّ القطاع الزراعيّ مصدراً مهمّاً لتوفير المواد الخام مثل القطن، كما يُساهم بما نسبته 20% من إيرادات مصر من العملات الأجنبية.
وتستورد مصر حاصلات زراعية سنويا بنحو 5.4 مليار دولار، وتبلغ واردات الصناعات الغذائية المتنوعة 2.6 مليار دولار، نتيجة ارتفاع معدلات الاستهلاك والزيادة الكبيرة في عدد السكان.
وقال وزير الزراعة في تصريحات عبر الصفحة الرسمية لوزارة الزراعة، أن الصادرات بلغت 4 مليون و463 ألف و99 طن من المنتجات الزراعية وضمت قائمة أهم الصادرات الزراعية عن هذه الفترة الموالح، البطاطس، البصل، عنب، رمان، ثوم، مانجو، فراولة، الفاصوليا، جوافة، خيار، الفلفل، باذنجان.
تهديدات الرقعة الزراعية
قال محمد القرش، المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة، في مداخلة تلفزيونية إن مساحة الرقعة الزراعية في مصر تصل لحوالي 10 مليون فدان، وهي تكفي احتياجات المواطنين ويتم استيراد بعض الأصناف من الخارج، موضحاً أن تكلفة الإنفاق على الفدان في الصحراء مكلف للغاية.
ووفقا لإحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء فإن الرقعة الزراعية في مصر في 2017 زادت إلى 9 مليون فدان، فيما تشير الإحصائيات الحديثة إلى وصولها إلى 10.2 مليون فدان من إجمالي مساحة مصر، وهو ما يمثل 4% من إجمالي مساحة مصر تقريبًا.
وأشارت الإحصائيات إلى أن نسبة الملكية “الأهلية” للرقعة الزراعية تمثل نحو 8 مليون فدان أي 80% من إجمالي مساحة مصر الزراعية.
تشير بعض البيانات إلى أن عدد الأراضي الزراعية المفقودة تجاوز الـ1.2 مليون فدان، بسبب التعدي على هذه الأراضي، وقال نقيب الزراعيين في مصر سيد خليفة عبر مداخلة تلفزيونية أن مصر تفقد 82 فدان أرض زراعية في “اليوم” بسبب التعدي على الأراضي الزراعية، فيما قال عباس الشناوي، المشرف العام على قطاع حماية الأراضي، في تصريحات لموقع مصراوي، إن عدد المخلفات يقترب من مليونَي حالة تعدٍّ بواقع مليون و996 ألف حالة تعدٍّ منذ 2011، مشيرًا إلى أن المحافظات الأكثر إزالة هي المنيا والبحيرة والشرقية والغربية وكفر الشيخ.
كان السيسي قد صرح خلال افتتاح عدد من المشروعات بمحافظة الإسكندرية أغسطس الماضي، أن التعدي على الأراضي الزراعية مساوٍ لخطورة سد النهضة، وأضاف: “الأمر لو استدعى هخلى الجيش ينزل قرى مصر، ولدينا علم وتكنولوجيا تمكننا من رؤية مصر من ١٠ سنوات بالمللى” وفق تعبيره.
وأصدرت الحكومة المصرية قانون التصالح رقم 17 لسنة 2019 بشأن مخالفات البناء، وهو قانون مؤقت، يهدف إلى تقنين أوضاع حجم المخالفات القائمة بعد عام 2008، كما صدر القانون رقم 144 لإيقاف التعدي على أراضي الدولة، وخاصة في الأراضي الصحراوية.
وطبقًا لأحكام القانون رقم 116 لسنة 1983 المعدل بالقانون رقم 2 لسنة 1985، والمعدل بالقانون الأخير رقم 7 لسنة 2018، فقد نصت المادة 156 منه على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على 5 سنوات، وبغرامة مالية لا تقل عن 100 ألف جنيه، ولا تزيد على خمسة ملايين جنيه، فضلاَ عن إزالة المخالفة على الأرض الزراعية، وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل البناء، وذلك على نفقة المخالف.
على جانب آخر تمثل قضية المياه معضلة أخرى تواجه الزراعة في مصر، في ظل استمرار بناء وتشغيل سد النهضة، حيث يمثل الاستخدام الزراعي للمياه الجزء الأكبر للاستخدامات، ويبلغ نحو 59.3 مليار متر مكعب بنسبة 85.6 % من إجمالي الاستخدامات، وتتوقع الأمم المتحدة أن تعاني مصر من شح المياه بحلول عام 2025. وبافتراض استمرار نمو السكان ومراعاة مشاريع استصلاح الأراضي في الصحراء وحقيقة أن أكثر من 50% من الحبوب المستهلكة مستوردة بالفعل، فلا يمكن لمصر تلبية الطلب على الغذاء من خلال الاعتماد على مياه النيل للري فقط.
في دراسة للباحث الاقتصادي صلاح فضل الله بعنوان “التعدي على الأراضي الزراعية ونهر النيل وأثارهما على الاقتصاد المصري”، أشار إلى أن 35% من الأراضي المزروعة تعاني من مشكلة “التملح” بسبب الاستخدام الخاطئ للري وبسبب ارتفاع مستوى الملوحة في المياه الجوفية، وتقع معظم هذه الأراضي في شمال الدلتا، فيما لجأ كثير من مزارعي مصر إلى تبوير أراضيهم وعدم زراعتها بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة والبذور، كذلك ارتفاع أسعار المواد البترولية والكهرباء اللازمة لتشغيل الماكينات الزراعية، مما خفض من ربحية الإنتاج الزراعي.
لا شك أن ملف الزراعة في مصر من الملفات الحيوية والحرجة نظرا لما يمثله من حيز في الناتج القومي والقوى العاملة بمصر، ويعتقد الخبراء أن في حال إيقاف التعدي على الرقعة الزراعية بالحلول الأمنية التي ينتهجها النظام الحالي، إلا أن المشاكل الأخرى التي تهدد الزراعة ستبقى في تنامي وتتطلب جهودا علمية أكبر من الإجراءات الحالية.